يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره.    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه.
كتاب الروض المربع الجزء الثالث
177969 مشاهدة
تعريف البيع لغة وشرعا

...............................................................................


واشتقاقه من الباع، الباع ما بين اليدين إذا مدتا مد اليدين كليهما كل واحدة في جهة ما بينهما يسمى باعًا, وجمعه أبواع. ثم معلوم أن الاشتقاق لا بد له من مناسبة. قالوا: مناسبته أن كل واحد منهما يمد يده للأخذ والإعطاء فكأنه مد الباع, مد اليد للأخذ, ومدها للإعطاء, كأنه شبيه بمد هذا الباع, فاشْتقّ هذا الاسم منه، وهو اسم معروف قبل الإسلام, تعرفه العرب باسم البيع, وجمعه بيوع.
تعريفه شرعًا ما ذكره الماتن بقوله: وهو مبادلة مال ولو في الذمة, أو منفعة مباحة كممر, بمثل أحدهما على التأبيد غير ربا وقرض. هذا تعريفه, ويحتاج التعريف إلى تفكيك, وذلك لأنه أراد بذلك تعريفه مطلقا؛ المبادلة: أخذ شيء بدل شيء. والذي تدخل عليه الباء هو الثمن, والذي لا تدخل عليه هو المثمن, فإذا قلت مثلا: الكتاب بعشرة دخلت الباء على العشرة, إذًا هي الثمن, والكتاب هو المثمن، ليس العادة أن تقول: العشرة بكتاب -وإن كان ذلك جائزا- والثمن قد يكون من غير النقدين.
إذا كان من غير النقدين فيصلح أن يكون كل منهما ثمنا ومثمنا، فإنك إذا قلت مثلا: الكتاب بالثوب صح أن تقول الثوب بالكتاب؛ يعني مبادلة مال بمال هذا الكتاب بهذا الكتاب، هذا الكتاب بهذا الثوب، هذا الكتاب مثلا أو هذه الشاة بهذا الثوب مثلا الذي دخلت عليه الباء هو العوض؛ مبادلة مال بمال ولو في الذمة هذه الكلمة للخلاف يعني أنه يصلح أن يكون المال الذي أبدل بمثله غائبا ليس بحاضر, وهو ما يسمى في الذمة, أن يكون أحد العوضين في الذمة يعني غائبا وهو الدَّين فإذا قلت مثلا: الكتاب بعشرة في الذمة, صح, كتاب بعشرة في الذمة، أو مثلا: هذه العشرة بكتاب غائب, بكتاب تأتي به مثلا بعد عشرة أيام, أو بعد شهر, الكتاب التزمت به في الذمة, في ذمتي لك كتاب صفته كذا وكذا ككتاب الروض المربع مثلا أعطيكه بعد شهر, هذا ثمنه. مبادلة مال ولو كان المال في الذمة أو منفعة يعني, أو مبادلة منفعة، المنفعة هي: النفع في عين, ولكن غالبا يسمون المنفعة أجرة، وقد يجعلونها منفعة مستمرة ولهذا مثل لها بالممر, بالطريق.. كممر في دار أو في أرض. مبادلة مال ولو في الذمة-يعني غائب- أو منفعة كممر.
المنفعة مثل: الإذن في طريق تَمُرُّ معه في هذه الأرض، الأرض أرضي, أذنتُ لك أن تمر معها, تدخل إلى السوق مثلا, أو إلى المسجد, أو نحو ذلك كممر. ومثله أيضا: طريق السيل, لو كانت الدور متلاصقة وليس لسطحك مصب يصب فيه السيل إلا في دار جارك, فيبيعك طريق السيل في سطحه, ينصب من سطحك على سطحه حتى ينصب في الطريق، فهذا أيضا منفعة، وهي: ممر هذا السيل. المنفعة كأنهم يريدون بها: الأمر الذي يستمر النفع به, ولا يكون موقتا؛ لأنه إذا كان موقتا سموها إجارة، إذا قال مثلا: بِعْتُكَ منفعة داري هذه شهرا, يعني: سكناها.. هذه إجارة، أو: بعتك القراءة في هذا الكتاب أسبوعا, هذه إجارة -بعشرة مثلا أو بخمسة- أما إذا كانت المنفعة مستمرة, يعني: تمر مع أرض ما دمت محتاجا إليها, ولكن بعوض مقدم أو مؤجل, فهذه منفعة بمنزلة البيع. هذا معنى مبادلة مال ولو في الذمة أو منفعة مباحة.