إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره.
كتاب الروض المربع الجزء الثالث
178040 مشاهدة
تعين الدراهم والدنانير بالتعيين في عقد الصرف

والدراهم، والدنانير تتعين بالتعيين في العقد ؛ لأنها عوض مشار إليه في العقد. فوجب أن تتعين كسائر الأعواض، فلا تبدل بل يلزم تسليمها إذا طولب بها لوقوع العقد على عينها.


هذه مسألة خلافية والمراد بالدراهم والدنانير هنا؛ الدنانير الذهبية والدراهم الفضية تتعين بالتعيين؛ فلا تبدل إذا وقع العقد عليها.
ولعل السبب في ذلك أنه قد يرغب في شيء خاص. أتذكر كنا زمانا نتعامل بالريال الفرنسي، فتارة يكون الريال من كثرة استعماله قد سود. وكذلك زمنا طويلا في حدود سنة خمسة وخمسين صار التعامل بالريال الفضي، الذي طبع في عهد الملك عبد العزيز ومع كثرة استعماله أيضا استعمله كثير من البوادي والحضار ونحوهم؛ فتتسخ ويركبها شيء من الوسخ ويركبها شيء من السواد فتقل الرغبة فيها.
فإذا مثلا بعنا ثوبا بخمسة ريالات. نقول: نبيعك بخمسة ريالات لكن الريال هذا، وهذا، وهذا، ولا نقبل منك هذا، وهذا، وهذا. فتتعين هذه الخمسة التي عيناها، وأشرنا إليها، وليس له أن يبدلها، ما بعناك إلا بهذا الريال، وهذا الريال، وهذه الدراهم التي خصصنا فليس له أن يبدلها.
ولو كانت مساوية للأخر في كونها ريالا وكونها كذا وكذا. فلا يعطيك بدلها ما دمت قد اخترتها دون غيرها.
وكذلك الجنيه. يوجد أحيانا في بعض الجنيهات شيء من الغش، يعني يخلط بنحاس، ويعرفه النقاد. فإذا قال: ما أبيعك مثلا هذه الشاة إلا بهذا الجنيه، لو أعطيتني جنيها غيره لا أقبل، فيعينه، ويخصصه فإذا تعين فإنه يتعين وليس له أن يبدله.
ولك أن تتمسك بطلبه، أو تفسخ العقد، تقول: إما أن تعطيني هذا الجنيه عن هذه شاتي. وإلا فلا عقد بيننا. فإذا قال: هذا الجنيه وهذا الجنيه سواء سواء خذ واحدا بداله. أو مثلا الجنيه الذي نصصت عليه ووسمته قد اشتريت به من آخر؛ فإن لك أن تطالب به أو ترد العقد. كما أن الشاة تتعين.
إذا مثلا إن كان عندك بيعة من الغنم لو اشترى منك شاة بخمسمائة ولكنه عينها. قال: لا أريد إلا هذه الشاة من الضأن، أو هذه الشاة من المعز. عينها. فليس لك أن تعطيه بدلها؛ لأنه ما اشترى إلا هذه. فكذلك أنت إذا بعتها بجنيه معين فإنك تطالب بنفس الجنيه الذي وقع عليه العقد. هذا معنى كونها تتعين بالتعيين فلا تبدل.
كما أن الأعواض الأخرى تتعين بالتعيين؛ يعني الشاة خصصها ولو كانت مماثلة، والثياب خصصها ولو كانت مماثلة. أما إذا لم يعين بل قال: مثلا بعتك بخمسمائة فإنك تعطيه خمسمائة من أية نقد، ولا يطالبك بفئة معينة. اشترى منك بخمسمائة يعطيك خمسمائة ورقة واحدة أو يعطيك خمس ورقات فئة المائة، أو يعطيك مثلا عشر ورقات فئة الخمسين، أو يعطيك فئة العشرة أو فئة الخمسة. تقبل ما آتاك لأن الجميع جملة واحدة؛ لأنه لم يعين.
يمكن أن يقال ذلك أيضا في الأوراق. يعني إذا كان مثلا معه أوراق فئة الخمسمائة، ولكن فيها شيء من التمزق، أو قريبة فتبلى؛ فقلت: أبيعك بهذه الورقة الجديدة فئة خمسمائة، فإنها تتعين، ولا يعطيك من الأخر. لكن لو أخرج لك فئة خمسمائة جديدة مثلها فإن قصدك حصل وهو كونها سليمة من العيب. نكمل الشرح.