الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه logo إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) .
shape
إبهاج المؤمنين بشرح منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين (الجزء الثاني)
350886 مشاهدة print word pdf
line-top
الصفات المعتبرة في القاضي

ممن له معرفة بالقضاء بمعرفة الأحكام الشرعية، وتطبيقها على الوقائع الجارية بين الناس.
وعليه أن يولي الأمثل فالأمثل في الصفات المعتبرة في القاضي.
ويتعين على من كان أهلاً، ولم يوجد غيره، ولم يشغله عما هو أهم منه.


قوله: (ممن له معرفة بالقضاء بمعرفة الأحكام الشرعية وتطبيقها على الوقائع الجارية بين الناس):
الواجب على الإمام أن ينصب القاضي الذي له معرفة بالأحكام الشرعية، أي: أدلتها، ويعرف كيفية تطبيقها والعمل بها.
والقضاة الذين لهم خبرة يعرفون الصادق بمجرد كلامه أو بمجرد رؤيته ولهم في ذلك وقائع عجيبة يتعجب منها، وقد ذكر ابن القيم -رحمه الله- في كتابه الذي سماه الطرق الحكمية عجائب من القضاة الذي تولوا القضاء، ومنهم علي -رضي الله عنه- له قصص واقعية ذكر بعضها.

وكذلك أيضا هناك كتاب اسمه (تاريخ القضاة) للقاضي ابن رفيع ترجم فيه للقضاة وذكر قضايا، وكذلك أيضًا هناك كتاب في ثلاثة مجلدات اسمه (أخبار القضاة) للقاضي وكيع.
فالحاصل أنهم بممارستهم القضاء وقفوا على عجائب وعرف بذلك ذكاؤهم وفطنتهم ومعرفتهم الصادق من الكاذب، ولكن لا بد من معرفة الأحكام الشرعية وتطبيقها على الوقائع الجارية بين الناس.
قوله: (وعليه أن يولي الأمثل فالأمثل في الصفات المعتبرة في القاضي):
يعني: على الإمام أن يولي الأحق بالقضاء ويشترطون في القاضي عدة صفات أساسية لا بد من توفرها فيه حتى يحق له القضاء.
أولا: صفات لازمة: فيشترطون مثلاً أن يكون رجلاً لا امرأة، وأن يكون مسلمًا، وأن يكون حرًّا، وأن يكون عاقلاً، وأن يكون بالغًا، وأن يكون عدلاً.
ويشترطون أيضًا الأمثل فالأمثل فيقدم مثلاً الذي يسمع على ثقيل السمع، والمبصر على فاقد البصر، والمتكلم على ثقيل الكلام، والعربي الفصيح، على الأعجمي غير الفصيح وما أشبه ذلك.
ويقدم العالم الجليل على المبتدئ أو على المتوسط، وكذلك أيضًا ينظر إلى أخلاق القاضي؛ فيقدم مثلاً. كثير الحلم وكثير التؤدة وكثير التوازن وتام العقل وتام المعرفة ولين الجانب وما أشبه ذلك.
ويصفونه بأنه لا بد أن يكون لينًا ولكن لا يكون معه ضعف، بحيث يطمع فيه الكاذب ونحوه، وأن يكون قويًا ولكن لا تكون قوته معها عنف بحيث ييأس صاحب الحق من حقه، وأشباه ذلك.
قوله: (ويتعين على من كان أهلا، ولم يوجد غيره، ولم يشغله عما هو أهم منه):
إذا لم يوجد لهذا العمل الجليل إلا أنت وأنت أهل لذلك، تعين ذلك عليك إذا كلفت من قبل الوالي العام بشرط أن لا يشغلك عما هو أهم منه، أي: لا يشغلك عن طلب العلم أو تعليمه مثلاً، أو لا يشغلك عن واجب كحق أهلك عليك وما أشبه ذلك.
فالحاصل أنه إذا لم يوجد إلا إنسان واحد كفء ولم يوجد غيره؛ لزمه الامتثال.

line-bottom