إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك
إبهاج المؤمنين بشرح منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين (الجزء الثاني)
207645 مشاهدة
تعريف النشوز وحكمه وعلاجه


وإن خاف نشوز امرأته، وظهرت منها قرائن معصيته: وعظها، فإن أصرت هجرها في المضجع، فإن لم ترتدع ضربها ضربًا غير مبرح.
ويمنع من ذلك إن كان مانعًا لحقها.
وإن خيف الشقاق بينهما بعث الحاكم حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها يعرفان الأمور والجمع والتفريق، يجمعان إن رأيا، بعوض أو غيره، أو يفرقان.
فما فعلا جاز عليهما. والله أعلم.


النشوز:
قوله: (وإن خاف نشوز امرأته، وظهرت منها قرائن معصيته: وعظها):
النشوز هو: العصيان أو الإعراض أو الهجران أو المخالفة أو ما أشبه ذلك.
وهذا مذكور في القرآن، قال الله تعالى في سورة النساء: وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا النساء: 34 ثم قال: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا النساء: 35 فإذا خاف نشوزها، يعني: رآها مثلا تتكره صحبته أو تتبرم بأداء حقه ولا تجيبه إلى نفسها إلا مع التثاقل، أو رأى منها مثلا أنها لا تطيعه في خدمته، أو أنها تكثر الخروج، أو إذا خرجت إلى أهلها لا ترجع إليه إلا بعد مشقة وبعد إلحاح وبعد تشدد؛ فمثل هذا يسمى نشوزًا أو مقدمات النشوز فيجب عليه أولا: أن يبدأ بالوعظ فيخوفها من آثار النشوز الذي هو العصيان، فيذكر لها عظم حق الزوج، حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها فيذكر لها حق زوجها عليها، ووجوب

طاعتها له، وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمرها بأن تطيع زوجها ولا تعصيه، وأخبر بأنها إذا أطاعته فلها كذا، وإذا عصته فعليها كذا وكذا، فهو يعظها ويذكرها بالحقوق لعلها أن تتعظ.
قوله: (فإن أصرت هجرها في المضجع):
فإذا لم ينفع الوعظ فإنه يأتي بالأمر الثاني: وهو الهجران، أي: يهجرها، وقد ذكر العلماء: أنه يهجرها في الكلام ثلاثة أيام لا يكلمها، لعلها أن تلين، ويهجرها في المضجع بأن لا ينام معها، أو إذا نام معها فإنه يوليها ظهره، وينام مع زوجته الأخرى إذا كانت له زوجة أخرى. والمضجع هو: الفراش؛ هذا إذا استطاع ذلك، أما إذا لم يكن له إلا زوجة واحدة ولا يستطيع الصبر؛ عن هجرها في الفراش لحاجته إليها، والمرأة قد تتحمل الصبر؛ لأن المرأة أقوى على الصبر عن زوجها منه عنها، لكن إذا هجرها في الكلام ووعظها فإنه قد يكون مؤثرًا.
قوله: (فإن لم ترتدع ضربها ضربًا غير مبرح):
أي: إن لم ينفعها الوعظ ولا الهجر أتى بالأمر الثالث وهو: الضرب،
فيضربها ضربًا غير شديد، يضربها بيده مثلاً أو بعصًا خفيفة؛ بحيث لا يجرح جلدًا ولا يكسر عظمًا، ولا يضرب في الوجه؛ لأنه ورد النهي عن ذلك، فقال صلى الله عليه وسلم: لا تقبحوا الوجه فإن الله خلق آدم على صورته .

قوله: (ويمنع من ذلك إن كان مانعًا لحقها):
أي: إن كان مانعًا لحقها بأن منعها العشرة ومنعها النفقة ومنعها من الكسوة مثلاً، أو منعها من لين الجانب أو منعها من لين الكلام أو من الخلق الحسن؛ وإذا تعامل معها تخلق بالأخلاق السيئة، فمثل هذا يعتبر هو الخاطئ وهو الذي قد ظلمها، فلها حقها في أن تتمنع منه أو تتبرم عليه.
قوله: (وإن خيف الشقاق بينهما بعث الحاكم حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها يعرفان الأمور والجمع والتفريق، يجمعان إن رأيا بعوض أو غيره، أو يفرقان، فما فعلا جاز عليهما):
لقوله تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا النساء: 35 فيختار الزوج حكما من أقاربه معروفًا بالعقل والإدراك والنصح والتوجيه والجمع والتفريق، وهي تختار أيضا حكما من أهلها من أحد أقاربها من أهل العقل والتمييز والفهم والإدراك، يجتمعان بالزوجين فيسألانهما عن سبب الخلاف، وماذا ينقم كل منهما على الآخر، فيسألان الزوجة: ماذا تنقمين عليه؟ وماذا تنكرين عليه؟ وماذا رأيت منه وما نوع تقصيره عليك، وأنت أيها الزوج: ماذا أنكرت عليها؟ وما نوع تقصيرها؟ فإذا رأيا بينهما تقاربا حثا كلَّ واحد منهما على التنازل للآخر عن بعض حقه، وأن يسقط ما يراه من الحق الذي له أو عليه، فربما يكون ذلك سببًا في الجمع بينهما، والله تعالى يوفق بينهما إن كان مرادهما وغايتهما الإصلاح.
فإذا فشلت جميع المحاولات واتضح أنه لا فائدة من الإصلاح، ولم يستطيعا الجمع بينهما لنفرة من الزوجة أو الزوج، فليس لهما إلا الفراق.
والفراق هو التفريق بينهما، فإن كانت هي التي كرهته وقالت: لا أريده ولا أرضاه زوجا، قيل لها: أعطه كذا وكذا مما دفع لك وهو يخلي سبيلك، فإذا دفعت له فإنها تبرأ منه وتتخلى.
فإذا كان هو الذي ظلمها، وهو الذي هجرها، وهو الذي أضر بها، والظلم حصل منه، قيل له: طلقها ولا حق لك عليها، أو أعطها ما تستحقه وطلقها، والحاصل أن الحكمين يفرقان أو يجمعان، والتفريق يكون بعوض أو بغير عوض، وأن ذلك جائز لأن الحاكم رضيهما.