إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه
إبهاج المؤمنين بشرح منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين (الجزء الثاني)
207812 مشاهدة
الحرمة المؤبدة بسبب المصاهرة

* وأربع من الصهر، وهن:أمهات الزوجات،وإن علون،وبناتهن، وإن نزلن، إذا كان قد دخل بأمهاتهن، وزوجات الآباء، وإن علون، وزوجات الأبناء، وإن نزلن، من نسب أو رضاع. والأصل في هذا قوله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ إلى آخرها النساء: 23 وقوله صلى الله عليه وسلم: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب أو من الولادة متفق عليه .


3- أربع من المصاهرة:
قوله: (وأربع من الصهر، وهن: أمهات الزوجات، وإن علون... إلخ):
أي: ومن المحرمات إلى الأبد أربع من المصاهرة وهن:
أولا: أم الزوجة: لقوله تعالى: وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ النساء: 23 فإذا تزوج الإنسان امرأة ولم يدخل بها حرمت عليه أمها مطلقًا، حتى ولو طلقت البنت قبل الدخول، ولو ماتت قبل الدخول، أما بنتها فلا تصير محرمة إلا إذا دخل بالأم، فإذا كان للزوجة بنات من غيره فإنهن محرم له بشرط أن يدخل بأمهن، وهذا هو المذكور في قوله تعالى: وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ النساء:23 فإذا تزوج امرأة ثم

طلقها قبل أن يدخل بها، أو ماتت قبل أن يدخل بها جاز أن يتزوج بنتها؛ لأنها لم يكن لها به قرابة.
ويدخل في قوله: وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ جدتها أم الأم، وجدتها أم أبيها، وإن علت.
ثانيًا: بنت الزوجة من غيره، وهي الربيبة: لقوله تعالى:(وربائبكم ) , والربيبة هي: بنت زوجته، ويدخل فيها: بنت بنتها، وبنت ابنها، فإذا كان لزوجتك بنت وابن من غيرك، فإن بنتها وبنت بنتها محرم لك، وكذلك بنت ابنها، وأيضا لو طلقتها ونكحت آخر وأتت منه ببنات، فإن بناتها من بعد ذلك محارم لك، ولو لم تكن ربيبة، وإنما ذكر كونها ربيبة بناء على الأغلب، يعني: أن الغالب أن بنت زوجته تتربى في حجره مع أولاده، ولكن قد لا تتربى عنده فقد تكون عند أبيها ولكن لأنها بنت زوجته لذلك حرمت عليه، وكذلك بنت ابن زوجته. هاتان ثنتان من المحرمات بالصهر.
ثالثا: زوجة الأب: وقد ورد تحريمها في قوله تعالى: وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ النساء: 22 ويدخل في الآباء الأجداد، فزوجة أبيك ولو بعد طلاقه أو بعد موته محرم لك، وكذا زوجة جدك- أيَّ جدٍّ- أبي الأم، وزوجة جدك أبي الأب كلهن محارم لك؛ وذلك لأن الجد يسمى أبًا ولو لم يكن وارثًا؛ لأن الأب اسم لمن له ولادة.
وقد ذكرهم الله تعالى في المحارم الذين يباح للمرأة أن تظهر أمامهم زينتها، قال تعالى: وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ النور:31 .

وبعولتهن هم: أزواجهن، فيباح لها أن تكشف زينتها لأبي زوجها، وكذلك جده، وجد أبيه، وجد أمه، كما يباح لها أن تكشف لابن زوجها، وابن ابنه، وابن بنته، وإن نزل، لعموم هذه الآية.
رابعا: زوجة الابن: وقد حرمت في قوله: وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ النساء: 23 وحلائل أبنائكم هن: زوجات الأبناء، وإن نزلوا.
قوله: (من نسب أو رضاع):
أي: أن من المحرمات إلى أبد زوجات الأبناء وأبناء الأبناء وإن نزلوا؛ سواء كانوا أبناء من النسب أو من الرضاع.
وكذلك زوجات الآباء وآباء الآباء وإن علوا؛ سواء كانوا آباء من النسب أو من الرضاع.
وزوجة الابن من الرضاع، وزوجة الأب من الرضاع، هذه فيها خلاف، فالمؤلف- رحمه الله- يرى أنها تحرم، يعني: أن أباك من الرضاع تكشف له امرأتك، وابنك من الرضاع تكشف له امرأتك وإن لم تكن أرضعته، فلو كان لك زوجتان فأرضعت إحداهما صبيًّا، فعلى قول المؤلف فإنه محرم على زوجتيك التي أرضعته والتي لم ترضعه؛ ذلك لأنه ابنك ، فيكون داخلا في قوله صلى الله عليه وسلم: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ويكون داخلا في قوله: وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ فيدخل فيها الابن من الرضاع والابن من الولادة.

لكن أشكل قوله: الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ فقد يقال: إن الابن من الرضاع ينسب إلى الصلب، وذلك لأن اللبن يتحلل من الجسد كله، واللبن الذي في المرأة سببه هذا الرجل الذي حملت المرأة من مائه الذي من صلبه، فوجد هذا اللبن الذي هو سببه؛ فيكون اللبن منهما جميعًا، وهو من الصلب.
وقد فهم بعض المشايخ من هذه الآية أنه لا يدخل فيها الابن من الرضاع؛ لقوله: مِنْ أَصْلَابِكُمْ منهم الشيخ محمد بن عثيمين، فهو يرى أن الابن من الرضاع لا يكشف على زوجة أبيه من الرضاع، وهو هنا يخالف شيخه السعدي.
ولكن المفسرين للقرآن جعلوا الابن من الرضاع مثل الابن من الصلب، قالوا: إن الصلب موجود وإن الرضاعة سببها هذا الرجل، فهو من صلبه وينسب إليه، وإن لم يكن وارثا، ثم قالوا: إن الآية أخرجت المتبنى وهو الدعي، وقد كانوا في الجاهلية يتبنى أحدهم شخصًا فيسميه ابنه، فأخرجت الابن المدعى الذي يسمى دعيًّا ويسمى متبنى، كما في سورة الأحزاب في قوله تعالى: وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ الأحزاب: 4 فكانوا إذا رأى أحدهم طفلاً أعجبه نباته وأعجبه حسنه وجماله تبناه وقال: اشهدوا أن هذا ابني، فيصير دعيًّا ويصير ابنًا له، وينسب إليه ويرثه، فنسخ الله ذلك.
وكان منهم زيد بن حارثة الذي كان يُدْعى زيد بن محمد؛ لأنه لما أعتقه عليه الصلاة والسلام تبناه، فنسخ الله قرابته وأنزل فيه قرآنا في قوله تعالى: لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ الأحزاب: 37 أدعياؤهم، أي: الذين يسمونهم أبناء لهم وهم ليسوا بأبنائهم، وأنزل أيضا فيهم: ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ [الأحزاب: 5] .

فلما نزلت قال زيد بن حارثة: أنا زيد بن حارثة، وقد كان يدعى زيد بن محمد.
فقوله: الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ إنما هي لإخراج المتبنى فإنه ليس ابنا لا من ولادة ولا من رضاعة.
* فالحاصل أن المحرمات تحريمًا مؤبدًا ذكر منهن:
الأم من النسب، والأم من الرضاعة، والبنت من النسب، والبنت من الرضاعة، والأخت من النسب، والأخت من الرضاعة، وبنت الأخت من النسب، وبنت الأخت من الرضاعة، وبنت الأخ من النسب، وبنت الأخ من الرضاعة، والعمة من النسب، والعمة من الرضاعة، والخالة من النسب، والخالة من الرضاعة، هؤلاء أربعة عشر قرابتهن نسب أو رضاعة، أما اللاتي من المصاهرة فهن: أم الزوجة وبنتها إذا كان قد دخل بها، وزوجة الأب، وزوجة الابن، هؤلاء ثمانية عشر.
قوله: (والأصل في هذا قوله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ إلخ):
والدليل على المحرمات إلى الأبد، هذه الآية، وهي قوله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا النساء: 23 .

وقوله صلى الله عليه وسلم: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب أو من الولادة متفق عليه.