قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة)
إبهاج المؤمنين بشرح منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين (الجزء الثاني)
207591 مشاهدة
العوض الذي يدفع للزوج مقابل الخلع


فإذا كرهت المرأة خُلُق زوجها أو خَلْقَه، وخافت ألا تقيم حقوقه الواجبة بإقامتها معه، فلا بأس أن تبذل له عوضًا ليفارقها.
ويصح في كل قليل وكثير ممن يصح طلاقه. فإن كان لغير خوف ألا تقيم حدود الله، فقد ورد في الحديث: من سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة .


قوله: (فإذا كرهت المرأة خُلق زوجها أو خَلْقه):
يعني: إذا كرهت المرأة زوجها لسوء خلقه، كأن يكون حقودًا غضوبًا شديدًا عليها ضرَّابًا لها، أو أنه بذئ اللسان يسب ويشتم ويقذف ويعيب ويتتبع العورات والعيوب ويكثر من التنقيب عليها في أفعالها وينتقدها في كل شيء قليل أو كثير؛ فهذه أخلاق سيئة.
وقوله: (أو خلقه)، يعني: إذا كرهت خلقته؛ بأن كان دميمًا أو قصيًرا أو نحو ذلك، حتى ولو كان هكذا قبل أن تتزوجه وهي تعرف ذلك ولكن وقع في نفسها بعد ذلك كرهه ودمامة شكله فكرهته لذلك.
قوله: (وخافت ألا تقيم حقوقه الواجبة بإقامتها معه):
أي: إذا خافت ألا تقوم بحقوقه الواجبة عليها، بأن قالت: إنني إذا صحبته فإنني سوف أقصر في حقه إن دعاني فإني لا آتيه إلا بتكره، وإن خدمته فإني أتثاقل في خدمته ولا أخدمه الخدمة الواجبة، وإن صحبته فإني أصحبه ونفسي تتقزز منه فلا أحبه.
قوله: (فلا بأس أن تبذل له عوضًا ليفارقها، ويصح في كل قليل وكثير ممن يصح طلاقه):
أي: إذا كرهت المرأة خلق زوجها، أو كرهت خلقه، أو خافت ألا تقيم حقوقه الواجبة عليها، فإنها في هذه الحال تفتدي نفسها، بأن تبذل له عوضًا ليفارقها وهذا العوض يصح بكل قليل أو كثير، فيصح أن يقبل منها ما تدفعه،

سواء دفعت له المهر كله أو بعضه ولو قليلا ثم يخلي سبيلها.
وقد اختلف في هذا العوض، هل يكون بقدر الصداق الذي دفعه؟ أم له أن يأخذ منها أكثر من صداقه؟
قال بعض العلماء: له أن يأخذ جميع ما تملك، واستدلوا بهذه الآية: فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ البقرة: 229 فكل ما تفتدي نفسها به ولو افتدت بأموالها كلها ولو بأكثر مما أعطاها مرة أو مرات، حتى قال بعضهم: اخلعها بما دون عفاصها، يعني: شعر رأسها، يعني: حتى لو أخذ كسوتها وتركها عريانة.
والقول الثاني: أنه لا يأخذ أكثر مما دفع، وذلك لأنه قد استمتع بها وقد وطئها واستحل من فرجها ما يستحل الزوج من امرأته، فلا يحل له أن يأخذ أكثر من مهره، والدليل قصة امرأة ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري خطيب النبي صلى الله عليه وسلم، كانت امرأته يقال لها: جميلة بنت أبي ابن سلول وأخت عبد الله بن سلول فكرهته، فجاءت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وقالت: إن ثابتًا لا أعيب فيه دينًا ولا خُلُقًا، ولكني أكره الكفر في الإسلام. تقول: إنني نظرت إليه مرة يمشي مع قوم وإذا هو أحقرهم وأقبحهم صورة وأقصرهم قامة وأشينهم مشية؛ فوقع في نفسي كراهيته فلا أريده زوجًا، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: ماذا أعطاك؟ قالت: أعطاني تلك الحديقة، فقال لها: أتردِّين عليه حديقته؟ قالت: نعم؛ فقال لثابت: اقبل الحديقة وطلقها تطليقة وفي بعض الروايات أنها قالت: أعطية الحديقة وزيادة، فقال: أما الزيادة فلا . فمن هذا أخذوا أنه لا يأخذ منها أكثر مما

أعطاها.
واختلف أيضا هل هذا الفراق يعد طلاقًا أو لا يعد طلاقًا؟
وأكثر العلماء قالوا: لا يعد طلاقًا، فلو كان قد طلقها ثم راجعها، ثم طلقها ثم راجعها، ثم خالعها بعوض ثم أراد أن يتزوجها حلت له ولو كان ثلاثًا؛ لأن الخلع لا يعد طلاقًا، فلا يحسب من الطلقات؛ لأنه فراق من قبلها فلا يحسب طلقة، واستدل ابن عباس بالآية فقال: إن الله تعالى ذكر الطلقتين:
الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ البقرة: 229 ثم ذكر الخلع: فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ البقرة: 229 ثم ذكر الطلقة الثالثة بقوله: فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ البقرة: 235 فدل على أن الوسط الذي هو الخلع لا يعد من الطلاق، ولو صرح بذلك، ولو قال: قد طلقتها، فيسمى هذا فسخًا، ويسمى فراقًا، ولا ينقص به عدد الطلاق.
قوله: (فإن كان لغير خوف ألا تقيم حدود الله، فقد ورد في الحديث: من سألت ... الخ):
يقول الله تعالى: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ - يعني: إذا خافت ألا تقوم بحقه، وحدود الله، هي: حقوقه ومحارمه- فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ البقرة: 229 .
فإن كان طلبها الفراق ليس خوفًا ألا تقيم حدود الله ولكن من باب الاستبدال؛ كأنها تقول: أستبدل زوجا بزوج، أو أنها مثلاً عشقت زوجًا غيره ومالت إليه، فصارت تسيء صحبته حتى يفارقها، مع أنه لا ضرر منه، فمثل هذا حرام عليها، فقد ورد في الحديث: من سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة والبأس هو: الضرر، فإذا طلبت من زوجها الطلاق أو طلبت الفراق وهو قائم بحقوقها وهو مقيم لحدود الله وحقوقه؛ فإنها قد أذنبت
ذنبا كبيرًا، والغالب أن هذا يحدث فجأة ثم تتغير الحال، بحيث إنه يندم أو تندم فلأجل ذلك يقال: لا تستعجل إذا طلبت منك الطلاق؛ بل تمهل إلى أن تتغير الحال، ويقال لها: لا تطلبي الطلاق لأدنى مخالفة، أو لأدنى كلمة تسمعينها؛ فاصبري وتحملي.