إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم.
شفاء العليل شرح منار السبيل
198599 مشاهدة
الاغتسال في الحمام

قوله: [وفي الحمام إن أمن الوقوع في المحرم] نص عليه. لما روي عن ابن عباس أنه دخل حماما كان بالجحفة. وعن أبي ذر نعم البيت الحمام يذهب الدرن، ويذكر بالنار.
[فإن خيف كره] خشية المحظور. وروى ابن أبي شيبة في مصنفه عن علي و ابن عمر - رضي الله عنهما- بئس البيت الحمام يبدي العورة، ويذهب الحياء .
[وإن غيم حرم] لأن الوسائل لها أحكام المقاصد.


الشرح: الحمام هو البيت الذي يكون في جوف الأرض، وفيه ماء حار، وهو يكثر في البلاد الباردة كالشام ونحوه، وكان في الزمن الأول يكون مظلما، جث لا يوجد فيه هواء، توقد معه السرج، فيبقى شديد الظلمة، فكانوا يكشفون فيه العورات، وكثيرا ما يجتمع فيه العراة، فلذلك كرهه كثير من السلف؛ لأن كشف العورة أمام الناس حرام، وكذا النظر إلى عورات غيره، وهذا هو المحرم الذي ذكره صاحب المتن، أي أنه يباح الاغتسال في الحمام إذا أمن الوقوع في فاحشة الزنا واللواط، فإذا أمن من مثل هذه المحرمات جاز دخوله، لما فيه من إزالة الأوساخ، وتنشيط البدن، والخدمة الحسنة، فقد روى ابن أبي شيبة في المصنف عن ابن عباس أنه دخل حمام الجحفة، أي التي هي ميقات أهل الشام، وكأن هذا الحمام عمله أهل الشام لأنهم اعتادوا الحمامات للاغتسال في بلادهم، فعملوا هذا الحمام في ميقاتهم للإحرام، وقد زال أثره الآن، وأقيم في الميقات مراحيض ودورات مياه نظيفة لمن أراد الإحرام منها.
وروى ابن أبي شيبة أيضا عن أبي الدرداء أنه كان يدخل الحمام ويقول: نعم البيت الحمام، يذهب الضبية- يعني الوسخ- ويذكر بالنار، ثم روى عن أبي هريرة نحوه.
وروى قبل ذلك بباب عن الحسن و ابن سيرين أنهما كانا يكرهان دخول الحمام، وعن ابن عمر قال: لا تدخل الحمام فإنه مما أحدثوا من النعيم، وعن علي قال: بئس البيت الحمام.
وروى عبد الرزاق عن ابن عمر أنه كان لا يدخل الحمام ولا يطلي، ثم روى عنه وقيل له: مالك لا تدخل الحمام؟ فقال: إني أكره أن أرى عورة غيري.
وفي الباب آثار عن الصحابة وغيرهم.
أما إن علم أنه يقع لا المحرم كالفواحش، فلا يجوز دخوله، بل يحرم عليه الدخول الذي هو وسيلة إلى النظر إلى العورات، أو لمس ما لا يحل له، والوسائل لها أحكام المقاصد.
ثم إن اسم الحمام في هذه الأزمنة قد غلب على دورات المياه التي هي داخل البيوت، فصار الناس لا يعرفون اسم الحمام إلا هذه الدورات، واسمها في الأصل الكنف، والمراحيض، وبيوت الخلاء، لكن غلب عليها اسم الحمامات وأنه يقتحم فيها، أي يغتسل فيها، ويوجد بها السخانات الكهربائية، فتغني عن الحمامات القديمة.