إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا
شفاء العليل شرح منار السبيل
198908 مشاهدة
مسح جميع ظاهر الرأس

قوله: [ثم يمسح جميع ظاهر رأسه من حد الوجه إلى ما يسمى قفا والبياض فوق الأذنين منه ] لقوله تعالى: وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ والباء للإلصاق، فكأنه قال: وامسحوا رؤوسكم، ولأن الذين وصفوا وضوءه -صلى الله عليه وسلم- ذكروا أنه مسح برأسه كله، ولا يجب مسح ما استرسل من شعره. قال في الكافي والشرح وظاهر قول أحمد أن المرأة يجزئها مسح مقدم رأسها؛ لأن عائشة كانت تمسح مقدم رأسها.


الشرح: أي ثم يمسح جميع رأسه بيديه مبتدئا بمقدم رأسه وذاهبا بيديه إلى مؤخره ليعم كل رأسه- كما سبق بيانه- لأن الباء في قوله تعالى: وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ للإلصاق، أي ألصقوا المسح برؤوسكم، أي المسح بالماء، وهذا بخلاف ما لو قيل (امسحوا رؤوسكم) فإنه لا يدل على أنه ثم شيء يلصق.
ويسن أن يكون مسح الرأس بماء جديد غير ما فضل من غسل ذراعيه، ودليل ذلك ما روي عن عبد الله بن زيد أنه قال: مسح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأسه بماء غير فضل يديه وقد روي من غير وجه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخذ لرأسه ماء جديدا.
والمسنون لا مسح الرأس أن يبدأ بيديه مبلولتين من مقدم رأسه فيضع طرف إحدى سبابتيه على طرف الأخرى، ويضع الإبهامين على الصدغين، ثم يمرهما إلى قفاه، ثم يردهما إلى مقدمه، لحديث عبد الله بن زيد فمسح -أي النبي -صلى الله عليه وسلم-- رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر، بدأ بمقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه .
ويكون المسح بماء واحد، فلا يأخذ للرد ماء آخر، لعدم ورود ذلك عنه -صلى الله عليه وسلم-.
ولا يسن تكرار مسح الرأس، بل يمسحه مرة واحدة؛ لأن جماعات من الصحابة رووا صفة وضوئه -صلى الله عليه وسلم - وأنه مسح رأسه مرة واحدة مع غسله بقية الأعضاء ثلاثا ثلاثا؛ ولأن المسح واجب فلم يسن تكريره كمسح التيمم والخف؛ ولأن التكرار يؤدي إلى أن يصير المسح غسلا.
قال شيخ الإسلام: (مذهب الجمهور أنه لا يستحب مسحه ثلاثا، وهو أصح، فإن الأحاديث الصحيحة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- تبين أنه كان يمسح رأسه مرة واحدة؛ ولهذا قال أبو داود السجستاني
أحاديث عثمان الصحاح تدل على أنه مسح مرة واحدة وبهذا يبطل ما رواه من مسحه ثلاثا فإنه يبين أن الصحيح أنه مسح رأسه مرة، وهذا المفصل يقضي على المجمل، وهو قوله: وتوضأ ثلاثا ثلاثا ...) وقال ابن القيم (الصحيح أنه لم يكرر مسح رأسه، بل كان إذا كرر غسل الأعضاء أفرد مسح الرأس، هكذا جاء عنه صريحا، ولم يصح عنه -صلى الله عليه وسلم- خلافه البته، بل ما عدا هذا إما صحيح غير صريح كقول الصحابي (توضأ ثلاثا ثلاثا) وكقوله (مسح برأسه مرتين) وإما صريح غير صحيح كحديث ابن البيلماني عن أبيه عن عمر أن -صلى الله عليه وسلم- قال: من توضأ فغسل كفيه ثلاثا..- ثم قال- ومسح برأسه ثلاثا وهذا لا يحتج به، و ابن البيلماني وأبوه مضعفان) وقال الحافظ ابن حجر (ويحمل ما ورد من الأحاديث في تثليث المسح إن صحت على إرادة الاستيعاب بالمسح لا أنها مسحات مستقلة لجميع الرأس جمعا بين الأدلة) .
وقول الشارح: (ولا يجب مسح ما استرسل من شعره) أي أنه إذا كان طويل الشعر لم يجب أن يمسح ما استرسل من شعره، بل يقتصر على مسح الشعر النابت على الرأس، وأما المرأة فإنه يجزئها أن تمسح مقدم رأسها لفعل عائشة - رضي الله عنها- لكنها تكمل بالمسح على الخمار كمسح الرجل ناصيته وعمامته.