القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية.    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه.
شفاء العليل شرح منار السبيل
203878 مشاهدة
تمهيد: في كمال الشريعة وحفظ مصادرها

لما أن كلفنا الرب -جل وعلا- بعبادته، وخلقنا لها، شرع الشرائع، وسن الأحكام، وأمر بلزومها والتمسك بها، وتكفل -سبحانه- ببيان ذلك وإيضاحه، ليكون الناس على بينة من أمر دينهم، فأنزل كتبه السماوية، وضمنها بيان ما أمر به ونهى عنه، وما أحله وحرمه، وما يحبه ويرضاه، وما يكرهه ويسخطه، وأرسل رسله بشرح دينه وبسط أدلته وبيان أمثلته وتطبيقها.
وكان آخر كتبه نزولا هذا القرآن العظيم، الذي أنزله على قلب محمد -صلى الله عليه وسلم- مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ و تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ ثم أمر رسوله -صلى الله عليه وسلم- الذي هو خاتم رسله أن يبين لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ فقام -عليه الصلاة والسلام- بما كلف به أتم قيام، فعلّم أمته أمور الدين، وبيّن لها ما نزل إليه، وما أمر به بالقول والفعل، وشهد له بذلك صحابته -رضوان الله عليهم- كما قال أبو ذر الغفاري -رضي الله عنه- لقد تركنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وما يحرك طائر جناحيه إلا أذكرنا منه علما .
فتعلّم الصحابة -رضي الله عنهم- القرآن الكريم ألفاظه ومعانيه والعمل به، وتلقوا عن نبيهم -صلى الله عليه وسلم- سنته التي هي من مضمون رسالته إليهم، والتي بين بها ما نزل إليه من ربه، ثم نقلوه لمن بعدهم، وهكذا توارث المسلمون هذه الأصول كابرا عن كابر، وخلفا إثر سلف.
ولما كان من سنة الله في خلقه أن يبتلي أنبياءه وأتباعهم بأنواع من البلاء، ويسلط عليهم الأعداء، كما قال -جل وعلا- وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ .
ولما كان أيضا من حكمته أن جعل لكل نعمة حاسدا، وكان معظم الأعداء الألداء هم الذين وجهوا أنظارهم نحو الأصل الأصيل لهذا الدين، وذلك أنهم لما تحققوا أن شرف الأمة ورفعتها وعدتها بهذا القرآن الكريم وبهذه السنة الشريفة، حقدوا عليهما وعلى ما شاهدوا من آثار تطبيقهما، وتحقيق العمل بهما، من التمكين والقوة الحسية والمعنوية، وكان من نتائج الحسد والحقد أن حاولوا التشكيك في هذين الأصلين بإيراد الشبه، وتوليد الأكاذيب والترهات المفتعلة.
ولقد انخدع بحيل أولئك الأعداء جم غفير ممن يعبد الله على حرف، وأصغوا إلى أساطيرهم، ثم إن بعض أولئك المنخدعين انضموا إلى الأعداء في الوجهة والعمل، بل صار ضررهم أشد، والبعض الآخر بقوا حيارى مبهوتين.
ولما كان الرب -تعالى- قد تكفل بحفظ هذا الذكر أَظهر -وله الحمد والمنة- من هذه الأمة جهابذة وعلماء أجلاء، وقيضهم لحفظ الدين أصله وفرعه، ولقد بذل أولئك العلماء -أثابهم الله- قصارى جهدهم، وأفنوا أعمارهم في سبيل الذب عن أصل هذا الدين وتفنيد الشبه التي تثار حوله، وقد وهبهم الله سرعة الحفظ والفهم البليغ فيما جاءهم عن ربهم، والتمييز بين ما هو أصيل وما هو دخيل، ولما علموا أن الحفظ يذهب بذهاب حملته، ألهمهم الله أن دونوا ما وصل إليهم من ربهم ومن نبيهم من النصوص كما هي، وبالغوا في تحريرها وتنقيحها، وبيان الصحيح منها والسقيم، فعلوا ذلك نصحا لله ولعباده، وهكذا أصبحت مصادر هذه الشريعة -بحمد الله- محفوظة مدونة لم يفقد منها ما يحس بفقده، فلله الحمد والمنة على ذلك.