إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية.
شفاء العليل شرح منار السبيل
203845 مشاهدة
مس المصحف

قوله: [ومس المصحف ببشرته بلا حائل] فإن كان بحائل لم يحرم؛ لأن المس إذا للحائل. والأصل في ذلك قوله تعالى: لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ .
وفي حديث أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كتب إلى أهل اليمن كتابا وفيه: لا يمس القرآن إلا طاهر رواه الأثرم، والدارقطني متصلا واحتج به أحمد وهو لمالك في الموطأ مرسلا .


الشرح: مس المصحف للمحدث مسألة خلافية أيضا، ولكن الدليل مع من أوجب الطهارة لمس المصحف، وذلك لأن المصحف له شرفه وفضله؛ لأن فيه كلام الله، فكان من احترامه ألا يمسه إلا من تطهر من الحدثين: الأصغر والأكبر؛ لأنه سيتقرب بتلاوته، ويرجع الثواب عليها.
وقد قال تعالى لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ فهذه الآية دليل على أن المحدث لا يحل له مس المصحف؛ لأنه ليس بمتطهر وخالف في هذا الاستدلال كثير من العلماء وقالوا: ليس المراد بالآية المصحف، وإنما المراد الكتاب المكنون، وهو اللوح المحفوظ؛ لأنه أقرب مذكور في الآية، فالقرآن مضطر في اللوح المحفوظ، وذاك اللوح لا يمسسه إلا المطهرون وهم الملائكة.
وقالوا: هذا خبر وليس بأمر، أي أخبركم أنه لا يمسه إلا المطهرون.
قالوا: والدليل على هذا قوله تعالى في سورة عبس: كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرَامٍ بَرَرَةٍ وهم الملائكة الذين يحملون تلك الصحف، أو يقومون عليها، وهي الألواح التي كتب فيها كلام الله.
وقد استنبط ابن القيم في كتاب التبيان في أقسام القرآن من الآية السابقة أنها دليل على أن القرآن لا يمسه إلا طاهر، وبين أنه إذا كان أصله لا يمسه إلا طاهر، فهكذا فرعه لا يمسه إلا طاهر، فإن الفرع له حكم الأصل.
هذا استنباط ابن القيم ونقول أيضا: إن في الآية ما يدل على ذلك؛ لأن الله قال بعد ذلك تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ والتنزيل هو هذا القرآن المنزل، وقد ذكر تعالى أنه لا يمسه إلا المطهرون، فكأنه يقوله: إن الذي ينبغي أن يمسه هو المطهر، أي المطهر من الشرك، ومن الأحداث.
ومما يدل على هذا أيضا: ما جاء في قصة إسلام عمر -رضي الله عنه- وأنه أراد أن يأخذ الصحيفة التي مع أخته وزوجها وكان فيها شيء من القرآن، فمنعته أخته من ذلك، ولم تمكنه منه حتى يتطهر، فتطهر، فمكناه من ذلك لما رأيا فيه علامة الإسلام، والإقبال عليه فهذا دليل على أنه قد اشتهر عندهم أن للقرآن حرمة حيث لا يمسه إلا الطاهر.
ومن الأدلة على هذا أيضا: حديث أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم والذي فيه الكتاب الطويل الذي كتبه النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى أهل نجران حول أحكام الديات، والزكوات، ومما جاء فيه: أن لا يمس القرآن إلا طاهر .
وهذا الكتاب قد احتفظ به آل أبي بكر بن محمد بن حزم فأصبح مرجعا لأهل المدينة، واشتهر عندهم بحيث تكفي شهرته عن إسناده، حيث تلقاه العلماء بالقبول، ونقله الإمام مالك في موطئه، فهذا دليل على ثقته بهذا الكتاب المشهور عند أهل مدينته.
وقوله -صلى الله عليه وسلم- هذا الكتاب أن لا يمس القرآن إلا طاهر أي من الحدثين الأصغر والأكبر، وإن كان يطلق أيضا على الطهارة من الرجس، ومن الكفر؛ لأن الكفر نجس، لقوله تعالى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ .
لكن الطهارة في استعمال الشرع تنصرف إلى الطهارة من الحدث.