لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه    عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة)    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية.
إبهاج المؤمنين بشرح منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين (الجزء الثاني)
211298 مشاهدة
طلاق السنة وطلاق البدعة

وطلاقهن لعدتهن فسره حديث ابن عمر، حيث طلق زوجته وهي حائض: فسأل عمر-رضي الله عنه- رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، فقال: مره فليراجعها، ثم ليتركها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء متفق عليه . وفي رواية: مره فليراجعها، ثم ليطلقها طاهرًا أو حاملاً .
وهذا دليل على أنها لا يحل له أن يطلقها وهي حائض، أو في طهر وطئ فيه، إلا إن تبين حملها.


قوله: (وطلاقهن لعدتهن فسره حديث ابن عمر، حيث طلق زوجته وهي حائض: فسأل عمر-رضي الله عنه- رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، فقال: مره فليراجعها... إلخ):
في هذا الحديث فسر النبي -صلى الله عليه وسلم- معنى قوله تعالى في الآية السابقة: فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ الطلاق: 1 ؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: ليطلقها طاهرا أو حاملا يعني: تطلقها في طهر لم تجامعها فيه، فإذا أراد الطلاق للعدة فلا يطلقها وهي حائض، ولا يطلقها في طهر قد جامعها فيه قبل أن يتبين حملها فإن هذا طلاق البدعة ولعل الحكمة في ذلك التقليل من الطلاق، فإنه مثلا إذا أراد أن يطلق امرأته ثم جامعها، قيل له: لا تطلقها في هذا الطهر الذي قد جامعتها فيه، اصبر حتى تحيض ثم تطهر فإذا جاءتها الحيضة وطهرت من الحيضة، قيل له: طلقها، فقال: نفسي تتعلق بها فيمتنع حتى يطأها، فإذا وطئها قيل له: الآن لا يجوز لك أن تطلقها في هذا الطهر الذي وطئتها فيه، فاصبر حتى تحيض مرة ثانية ثم تطهر، فإذا صبر ثم جاءتها الحيضة الثالثة، قيل له: لا تطلق في الحيضة، فإذا طهرت منها تبعتها نفسه وأراد أن يطأها؛ لأنه صبر عنها هذه المدة؛ فيكون ذلك سببًا في تقليل الطلاق؛ لأنها لا تطلق وهي حائض، ولا تطلق في طهر قد وطئها فيه قبل أن يتبين حملها.

وفي هذا الحديث- حديث ابن عمر- أنه طلق امرأته وهي حائض، فسأل عمر-رضي الله عنه- رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، فقال صلى الله عليه وسلم: مره فليراجعها، ثم ليتركها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر إلخ الحديث .
فقوله صلى الله عليه وسلم: مره فليراجعها!: يستدل به على أن الطلاق في الحيض يقع؛ وذلك لأن المراجعة لا تكون إلا من طلاق صحيح، وورد ذلك أيضًا في رواية صريحة قال نافع: وحسبت عليه طلقة، أي: حسبت تلك الطلقة التي طلقها وهي حائض تطليقة، وأمره بأن يراجعها في حيضها الذي أوقع الطلاق فيه حتى تطهر من تلك الحيضة، ثم تحيض حيضة أخرى، ثم تطهر من الثانية؛ فحينئذ يطلق بعد الثانية، وبين الحيضتين يجامعها، فإذا جامعها فإنه راجعها، فلا بدّ أن تكون المراجعة بالوطء، كأنه قال: يراجعها ويجامعها بعد الحيضة التي طلقها وهي فيها، فلا بد أن يجامعها بين الحيضتين ثم يصبر عنها.
فهو طلقها وهي حائض فقيل له: راجعها في هذه الحيضة؛ أي: أرجعها إلى عصمتك حتى تطهر من هذه الحيضة، فإذا طهرت فإن المراجعة تكون من تمامها الوطء، فعليك أن تطأها وتستمتع بها بين الحيضتين، فإما أن تحبل من هذا الوطء وإما ألا تحبل وتحيض الحيضة الثانية، فإذا حاضت الحيضة الثانية فإنك تمسكها حتى تطهر، فإذا طهرت طلقها قبل أن تمسها، هكذا قال.
فأخذوا من هذا أن الطلاق لا يجوز في حالة الحيض، ولكنه يقع، ولا يجوز في طهر قد جامعها فيه، ولكنه يقع أيضًا على القول الصحيح من أقوال العلماء.

وذهب شيخ الإسلام وابن القيم ويفتي بذلك شيخنا الشيخ ابن باز إلى أن الطلاق في الحيض لا يحسب، وكذلك الطلاق في طهر قد وطئها فيه لا يحسب، ولكن الأئمة الأربعة وأتباعهم غالبًا يرون أنه يحسب ولو كان بدعة، والأدلة على ذلك مذكورة في كتب الفقهاء.
ف طلاق السنة إذن أن يطلقها بعد أن يتبين حملها، أو يطلقها في طهر لم يجامعها فيه، أو يطلقها وهي آيسة قد بلغت سن اليأس؛ بحيث إنها لا تحبل فمثل هذه تطلق في كل حين، وذلك لأنه لا يأتيها حيض ولا حمل، فلو قلنا: لا تطلقها قال: إلى متى؛ لأنه انقطع الحيض وانقطع الحمل عنها فيطلقها متى شاء؛ لأن الآيسة من الحيض لا سنة لها ولا بدعة، وهذا دليل على أنه لا يحل أن يطلقها وهي حائض أو في طهر وطئها فيه إلا أن يتبين حملها.