الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم.
إبهاج المؤمنين بشرح منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين (الجزء الثاني)
211205 مشاهدة
ما يحصل به العتق

ويحصل العتق بالقول: وهو لفظ: العتق وما في معناه، وبالملك، فمن ملك ذا رحم محرم من النسب عتق عليه، وبالتمثيل بعبده بقطع عضو من أعضائه أو تحريقه، وبالسِّراية؛ لحديث:، من أعتق شركًا له في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة عدل، فأعطي شركاؤه حصصهم وعتق عليه العبد، وإلا فقد عتق ما عليه ما عتق . وفي لفظ: وإلا قوم عليه، واستُسْعِيَ غير مشقوق عليه متفق عليه .


قوله: (ويحصل العتق: بالقول: وهو لفظ: العتق وما في معناه):
فإذا قال: قد أعتقت هذا العبد، أو قد حررته، أو هو حر لوجه الله، أو قد أزلت عنه الرق، أو لا ملك لي عليه، أو ليس لي فيه تصرف، أو أخرجته من ملكي، أو ما في معناه حصل بذلك العتق.
قوله: (وبالملك، فمن ملك ذا رحم محرم من النسب عتق عليه):
يعني: يحصل العتق إذا ملك ذا رحم محرم من النسب، ففي الحديث عن سمرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: من ملك ذا رحم محرم عتق عليه وفي الحديث عن أبي هريرة: لا يجزي ولد والده؛ إلا أن يجده مملوكًا فيشتريه فيعتقه إذا كان
الوالد حرًا والوالد مملوكًا ثم إن الولد ملك مالا فاشترى أباه من الرق، فإن هذا جزاؤه حيث إنه جازاه على حضانته وعلى حفاوته.
وقد جاء الحديث بلفظ أعم: من ملك ذا رحم محرم عتق عليه بأي شيء يملكه؟ فإذا اشترى أخاه عتق عليه، أو أخته عتقت عليه، أو بنته أو بنت ابنه أو بنت أخيه أو بنت أخته أو ابن أخيه أو ابن أخته؛ أو عمه أو عمته أو خاله أو خالته، يعني: الذين هم محارم له إذا اشترى واحدًا منهم عتق عليه، أو إذا ورثه فإنه يعتق عليه بمجرد الإرث، أو وُهِبَ له يعتق عليه بمجرد الهبة.
فالحاصل أنه إذا دخل أحد في ملكه من أقاربه فإنهم يعتقون بمجرد الدخول بخلاف من ليسوا بمحارم، فإذا اشترى بنت عمه أو ابن عمه لم يعتق؛ لأنه ليس من المحارم، كما يحل له نكاح بنت عمه أو بنت خاله أو بنت خالته، فلا يعتق عليه إلا من هو من المحارم.
قوله: (وبالتمثيل بعبده، بقطع عضو من أعضائه أو تحريقه):
وأيضا يحصل العتق إذا مثل بعبده، فإذا فقأ عينه فكفارته أن يعتقه، أو قطع عضوا ولو إصبعًا، أو جدع أنفه مثلا أو قطع شفته، أو أي عضو من أعضائه الثابتة فإنه ينزع منه ويقال: عتق عليك، كما ورد في الحديث: من مثل بعبده فقد عتق عليه .

قد يقال: إن التمثيل هو تشويه الخلقة، فلو مثلا شوه وجهه، سلخ جلدة وجهه مثلا، أو أحرق وجهه حرقًا يبقى أثره؛ فإنه يعتبر أيضًا تمثيلاً فيعتق عليه.
قوله: (وبالسِّراية؛ لحديث: من أعتق شركا له في عبد إلخ):
السِّراية هي: كونه يعتق بعضه ثم يسري إلى باقيه، صورة ذلك إذا كان بينك وبين زيد عبد لك نصفه، فأعتقت نصفك سرى على النصف الذي لزيد، وكيفية السراية أن تشتري نصف زيد وتعتقه، ويلزمك شرعًا إذا كنت ذا مال أن تشتري نصف زيد بقيمته الذي يساويه، لا وكس ولا شطط، ثم تعتق العبد كله، إذا لم يعتقه زيد ألزمناك إذا كان لك مال، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم: من أعتق شركًا له في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة عدل، فأعطي شركاؤه حصصهم وعتق عليه العبد، وإلا فقد عتق ما عليه ما عتق .
وقوله صلى الله عليه وسلم: فأعطي شركاؤه إلخ):
يعني: لو كان شركاؤه كثيرين، أي: كانوا عددًا، فمثلا إذا كان العبد بين أربعة، لكل واحد منهم ربع، فأعتق أحدهم نصيبه، فإنه إذا كان له مال يشتري ربع هذا ويعتقه، وربع هذا وربع هذا، وإذ! امتنعوا ألزموا شرعًا، وإذا زادوا في الثمن منعوا من الزيادة، يعرض على أهل الخبرة كم يساوي هذا العبد، قيمة عدل، لا تَظْلِمون ولا تُظْلَمُون؛ لا تظلمون المعتق ولا تظلمون أصحاب المال، فلا تنقصوهم ولا تزيدوا عليه؛ بل تكون قيمة عدل، فيعطي شركاءه حصصهم لعتق العبد كله.

فإن كان لا مال له، هذا الذي أعتق الربع ليس له مال يشتري حصص زملائه، فيبقى العبد مبعضا، أي: بقي ثلاثة الأرباع مملوكًا رقيقًا، وهذا معنى قوله: وإلا فقد عتق ما عليه ما عتق .
مثلا إذا كان ربعه حرًا فإنه يخدم هذا يومًا وهذا يومًا وهذا يومًا واليوم الرابع لنفسه، يتكسب لنفسه، أو يخدم نفسه، يستخدمه كل واحد منهم بقدر حصته، فإذا كان بين اثنين هذا له نصفه وهذا له ربعه، وربعه عتيق فإنه يخدم هذا يومين وهذا يوما واليوم الرابع لنفسه.
قوله: (وفي لفظ: وإلا قوم عليه، واستسعي غير مشقوق عليه ):
هذه رواية أخرى، ومعناه: أنه يقال للذين لم يعتقوا: ثمنوا نصيبكم، فمثلا كل واحد من أصحاب الربع قال: نصيبي بألفين. أنت يا عبد لك الخيار إن أردت أن تشتري نفسك وتكون كالمكاتب وتسعى وتتكسب وتعطي هذا ثم تعطي هذا حتى تحرر نفسك؛ فهو أولى، فإن شق ذلك عليك فإنك تبقى مبعضًا إذا كنت لا تستطيع أن تحرر نفسك، فقوله: (واستسعي) أي: طلب منه أن يشتغل ومكن من الشغل، ومنع سيده أو سادته من استعماله، وقيل له: احترف واشتغل وأدّ إليه كالمكاتب.