الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) .
إبهاج المؤمنين بشرح منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين (الجزء الثاني)
211320 مشاهدة
التفريق بين ذي الرحم في الرقيق


ومن ذلك: نهيه -صلى الله عليه وسلم- عن التفريق بين ذي الرحم في الرقيق .


قوله: (ومن ذلك: نهيه -صلى الله عليه وسلم- عن التفريق بين ذوي الرحم في الرقيق):
كذلك من المحرمات في البيوع التفريق بين ذوي الرحم وقد ثبت أنه -صلى الله عليه وسلم- نهى عن التفريق بين المرأة وولدها فقال صلى الله عليه وسلم: من فرق بين والدة وولدها، فرق الله بينه وبين أحبته ويكون هذا في المملوكة إذا كان لها ولد، فباع المملوكة في بلاد، وباع ولدها في بلاد أخرى، أو باع ولدها في طرف البلاد وباع أمه في طرف البلاد الآخر البعيد فتفرقا، فلا شك أنها ستحزن على فراق ولدها وتشفق عليه، وأنها ستتضرر لفراقه، وسيغلب عليها الرحمة والبكاء والرقة فلا تهنأ بعيش، فهذا البائع هو الذي أثم بتفريقهما.
وفي حديث آخر أن عليا - رضي الله عنه- دخل بأخوين طفلين أو شابين مملوكين، فباع أحدهما هنا، وباع الآخر هنا، ففرق بينهما، فلامه النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: اذهب فاسترجعهما ولا تبعهما إلا جميعا وحيث كانا أخوين شقيقين، كل منهما يحب أخاه، ويشفق عليه، فلا يجوز أن تفرق بينهما.
ويستدل بحديث: من فرق بين والدة وولدها، فرق الله بينه وبين أحبته فيدخل فيه- وإن لم يكن بيعا- الرجل الذي طلق امرأته ومعها ولد، وانتزع ولدها منها وهي تشفق عليه، وحجبها عنه وحجبه عنها، فإن ذلك داخل في الوعيد.