الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر.    عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية.
شفاء العليل شرح منار السبيل
204231 مشاهدة
كفارة من وطئ امرأته في فرجها حال الحيض

قوله: [والكفارة بالوطء فيه ولو مكرها، أو ناسيا، أو جاهلا للحيض والتحريم، وهي دينار أو نصفه على التخيير] لما روى ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الذي يأتي امرأته وهي حائض يتصدق بدينار أو نصف دينار قال أبو داود هكذا الرواية الصحيحة .
[وكذا هي إن طاوعت] قياسا على الرجل.


الشرح: عرفنا- سابقا- أنه يحرم على الزوج أن يطأ زوجته في فرجها حال حيضها لقوله تعالى: فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ وعرفنا أنه يجوز له مباشرتها فيما دون الفرج، لقوله -صلى الله عليه وسلم- افعلوا كل شيء إلا الجماع فإذا وطىء الرجل زوجته في فرجها حال الحيض أثم بذلك ووجبت عليه الكفارة الواردة في حديث ابن عباس السابق، وهي دينار أو نصف دينار على التخيير، كما جاء في الرواية الصحيحة، والدينار يزن مثقالا من الذهب، والجنيه السعودي يساوي مثقالين إلا ربعا، فيجب عليه أن يتصدق بنصف جنيه سعودي تقريبا بعد أن يسأله عن قيمته بالعملة المعاصرة.
فالحاصل أن من وطئ امرأته في فرجها حال الحيض وجبت عليه الكفارة السابقة، وهذا من مفردات المذهب الحنبلي وقد ذهب الأئمة الثلاثة إلى أنه يأثم بذلك، ولم يوجبوا عليه كفارة، لعدم ثبوت الحديث السابق عندهم والصواب أنه حديث ثابت، فيلزم من ثبوته العمل به، والحكمة من إيجاب هذه الكفارة أن تكون ماحية للذنب الذي ألم به هذا المجامع.
واختار المؤلف أن الكفارة تجب عليه ولو كان مكرها، أو ناسيا، أو جاهلا للحيض، أو جاهلا للتحريم، ولعله ذهب إلى هذا قياسا على كفارة الوطء في نهار رمضان حيث أنه -صلى الله عليه وسلم- أوجبها على من وطئ امرأته دون تفصيل، فدل على وجوبها مطلقا، وسيأتي هذا في كتاب الصوم- إن شاء الله-.
ولأن حديث ابن عباس السابق عام في كل من وطئ حائضا، وقد روي أن عمر - رضي الله عنه- أتى جارية له، فقالت: إني حائض، فكذبها فوقع عليها، فوجدها حائضا، فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكر ذلك له. فقال له -صلى الله عليه وسلم- يغفر الله لك أبا حفص، تصدق بنصف دينار .
والصواب في هذا أنه لا يأثم ولا يكفر إذا وطئها مكرها، أو ناسيا، أو جاهلا للحيض، أو جاهلا للتحريم لقوله -صلى الله عليه وسلم- عفي لأمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه وقوله تعالى: رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا فقال سبحانه: قد فعلت .
وأما إذا وطئها وهي طاهر ثم حاضت أثناء الجماع فيلزمه النزع، فإن استمر في الوطء مع علمه بحيضها لزمته الكفارة.
وقول المؤلف: [وكذا هي إن طاوعت ] أي تجب عليها الكفارة كما تجب على الرجل؛ لأن الواجب عليها أن لا تمكنه من نفسها حال الحيض، فإن هي مكنته وطاوعته فقد أثمت بذلك، ووجبت عليها الكفارة؛ لأنها طابت نفسا بهذا العمل المحرم، والخطاب الموجه للرجال يشمل النساء ما لم يقم دليل يخصهن لقوله -صلى الله عليه وسلم- النساء شقائق الرجال .
والكفارة التي تلزم من جامع امرأته وهي حائض يجوز إعطاؤها لواحد من الفقراء والمساكين أو أكثر؛ لأن الحديث لم ينص على عدد معين كما في الكفارات الأخرى، ومصرفها يكون للفقراء والمساكين.
وهي تسقط عند العجز عنها.