شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك.
شفاء العليل شرح منار السبيل
204551 مشاهدة
ميتة ما لا نفس له سائلة

قوله: [وما لا نفس له سائلة: كالعقرب، والخنفساء، والبق، والقمل والبراغيث]
لحديث إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليمقله وفي لفظ:
فليغمسه فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء رواه البخاري .
وهذا عام في كل حار، وبارد، ودهن، مما يموت الذباب بغمسه فيه، فلو كان ينجسه كان أمرا بإفساده، فلا ينجس بالموت، ولا ينجس الماء إذا مات فيه. قال ابن المنذر: لا اعلم في ذلك خلافا إلا ما كان من الشافعي في أحد قوليه. قاله في الشرح .


الشرح: قوله (ما لا نفس له سائلة) يعني الأشياء الصغيرة التي لا يسيل منها الدم، فهي لا تنجس إذا ذبحت أو قتلت؛ ولو وقعت ميتتها في الماء فهي لا تنجسه.
أما إذا كان يسيل منها دم فميتتها نجسة، ولو كانت صغيرة، كالعصفور ونحوه.
فالحية، والعقرب، و البعوض، والخنفساء، ونحوها، لا يسيل منها دم، فكان ذلك دليلا على أن ميتتها طاهرة، فلا يتنجس الماء الذي تموت فيه.
وألحقوا بذلك الوزغ، وما كان على هيئته، فإنه لا ينجس الماء الذي يموت فيه، لكونه ليس فيه دم.
فكأن العلة عندهم في نجاسة الميتة أن الدم يختزن فيها، والدم نجس كما هو معلوم، فلما بقي فيها حيهتم بنجاستها، أما الذي ليس فيه دم فإن ميتته طاهرة، ولو كان محرم الأكل، كالحشرات ونحوها.
واستدلوا على طهارة هذه الأشياء بالحديث الذي ذكره الشارح وهو المسمى بحديث الذباب، فإن الذباب إذا غضون في الماء الحار مات فيه، ولو كان ينجسه لكان غمسه إفسادا للطعام، والرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يقصد إفساد الأطعمة أو الأشربة، فدل هذا على أن ما لا نفس له سائلة تكون ميتته طاهرة فإذا وقع في الماء فإن الماء لا يتنجس، ويجوز استعماله في الوضوء والشرب ونحوه.
مسألة : إذا ماتت الفأرة فهي نجسة، ولحمها نجس.
أما إذا سقطت في ماء ثم خرجت وهي حية، أو في سمي، أو نحو ذلك، فإنها لا تنجسه، ولهذا فإنه -صلى الله عليه وسلم- لما سئل عن سمن سقطت فيه فأرة قال ألقوها وما حولها، وكلوا سمنكم .
فإلقاؤها وما حولها دليل على أن الذي حولها قد تشرب بها، وقد أخذ شيئا من رائحتها، فتنجس.
أما بقية السمن فبقي على طهارته.
وقد ورد في إحدى روايات الحديث إن كان جامدا فألقوها وما حولها، وإن كان مائعا فلا تقربوه لكن يرجح شيخ الإسلام وغيره أن هذه الرواية غير ثابتة، وأن الفأرة تلقى وما حولها، سواء كان السمن جامدا أو ذائبا .
وأما إذا سقطت وهي حية، ثم خرجت، فالصحيح- كما سبق- أنها لا تنجسه، وذلك لأنها من جملة الطوافين، فهي شبيهة بالهزة.
مسألة : الذباب ليس بنجس، وليس المقصود بالحديث السابق عدم نجاسة جناحيه فقط، بل لو قطعت جناحيه وألقيته في الماء، أو نحوه، لما نجسه؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أمر بغمسه جميعا في الإناء، فدل هذا على أن موته لا يغير الشراب أو الطعام الذي مات فيه، فدل أيضا على أنه طاهر؛ لأنه من الحشرات التي ليس لها دم.
وألحق بالذباب كل ما ليس له دم من الحشرات، فهي إذا ماتت في الماء لا تنجسه.
ولأنها مما يبتلى بها الناس كثيرا، ويشق التحصن والتحفظ منها، كالبعوض، والفراش، والعقرب، والخنفساء، ونحوها.
قد يقال بأن العقرب سامة. فنقول: الماء الذي وقعت فيه طاهر، بغض النظر عن كونه يشرب، أو لا يشرب.
مسألة: بيع الهر منهي عنه لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- زجر عن ذلك كما في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي الزبير قال: سألت جابرا عن ثمن الكلب والسنور، فقال: زجر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك .
وهذا الحديث وإن كان فيه مقال فإن العلماء قالوا: لا يصح بيع الهر لأنه ليس من المرافق، وليس من الدواب التي يكون الانتفاع بها ظاهرا، وضروريا.