اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه.
شفاء العليل شرح منار السبيل
204247 مشاهدة
منع الجنب من قراءة القرآن واللبث في المسجد

قوله: [ويزيد من عليه غسل بقراءة القرآن] لحديث علي -رضي الله عنه- كان النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يحجبه- وربما قال: لا يحجزه- عن القرآن شيء ليس الجنابة رواه ابن خزيمة والحاكم والدارقطني وصححاه .
[واللبث في المسجد بلا وضوء] لقوله تعالى: وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ وهو الطريق، ولقوله -صلى الله عليه وسلم- لا أحل المسجد لحائض ولا جنب رواه أبو داود فإن توضأ الجنب جاز له اللبث فيه، لما روى سعيد بن منصور و الأثرم عن عطاء بن يسار قال: رأيت رجالا من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يجلسون في المسجد وهم مجنبون، إذا توضؤا وضوء الصلاة .


الشرح: الحكمة من منع الجنب من قراءة القرآن أن يسرع بالطهارة حتى تتسنى له العبادة، ومن ضمنها قراءة القرآن.
والمنع يشمل القراءة من المصحف، أو من الحفظ، هذا هو الذي عليه العمل أخذا من حديث علي -رضي الله عنه- كان النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يحجبه- وربما قال: لا يحجزه- عن القرآن شيء ليس الجنابة وهذا الحديث فيه ضعف، ولكن الذين منعوه من ذلك قالوا: لأن الحدث الأكبر يزيد على الحدث الأصغر، فإذا كان الحدث الأصغر يمنع من مسن المصحف، فالحدث الأكبر يحل بالبدن كله فيكون له تأثير زائد على تأثير الحدث الأصغر، فلذلك قالوا: يمنع المجنب من قراءة القرآن ولو عن ظهر قلب.
وعلى كل: الحديث في إسناده مقال، وقد صححه جماعة من المخرجين، فالاحتياط أن يبادر الإنسان بإزالة الحدث قبل قراءة القرآن حتى يكون طاهرا على كل حال.
كذلك يمنع الجنب من اللبث في المسجد إلا بوضوء، لحديث لا أحل المسجد لحائض ولا جنب وهذا الحديث أيضا في إسناده ضعف، لكن يستدل له بقوله تعالى: وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا .
والمراد: لا تقربوا مواقع الصلاة وأنتم جنب إلا إذا كنتم عابري سبيل حتى تغتسلوا، والعابر هو الذي يدخل المسجد من باب ويخرج من باب آخر، فآما إذا كان يمكث فيه فإنه يمنع من ذلك وتقاس الحائض على المجنب لكونها عليها هذا الحدث الموجب للغسل، فكلاهما- الجنب والحائض- عليه حدث أكبر يوجب الغسل ، ولحديث لا أحل المسجد لحائض ولا جنب .
أما إذا توضأ الجنب فإنه لا حرج في لبثه في المسجد؛ لأن الوضوء يخفف الجنابة، والدليل على هذا أن الصحابة كانوا إذا توضؤا وهم جنب جلسوا في المسجد للاستفادة من حلقات العلم التي كان يقيمها النبي -صلى الله عليه وسلم-- كما سبق في الأثر الذي ذكره الشارح- والله أعلم.