الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية.    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر.
شفاء العليل شرح منار السبيل
204130 مشاهدة
مشروعية المسح على الخفين


قوله: [باب المسح على الخفين] : قال ابن المبارك: ليس في المسح على الخفين اختلاف، وقال أحمد ليس في قلبي من المسح على الخفين شيء، فيه أربعون حديثا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال: هو أفضل من الغسل لأنه -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه إنما طلبوا الأفضل، وعن جرير قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بال ثم توضأ ومسح على خفيه .
قال إبراهيم كان يعجبهم هذا الحديث لأن إسلام جرير بعد نزول المائدة. متفق عليه .


الشرح: هذه مقدمة قبل الشروع في الأحكام جاء بها الشارح ليقرر شرعية المسح على الخفين وذلك لأنه قد روي في بعض الآثار- كما في مصنف ابن أبي شيبة وغيره- عن بعض السلف أنهم أنكروا المسح على الخفين ولعل ذلك بسبب أن أدلة هذا الحكم قد خفيت عليهم فلم يعملوا به، فهم معذورون في وذلك، لكن القول الصحيح أن المسح على الخفين ثابت بالأدلة الصحيحة، وكما يقول ابن المبارك ليس في المسح على الخفين اختلاف، وقال أيضا في بعض الروايات: إن الرجل ليسألني عن المسح فأتهمه بأنه صاحب رأي، أو صاحب بدعة
وذلك لأن الذين اشتهر عنهم إنكار المسح هم من المبتدعة، كالرافضة الذين ينكرون المسح مطلقا، ولا يعترفون به، مع أنهم يذهبون إلى مسح القدمين عند الوضوء- كما سيأتي!- فيجوزون مسح القدم عند الوضوء، ولا يجوزون مسح الخفين، ويبالغون في إنكارهم على من يمسح خفيه.
ومن الذين أنكروا المسح على الخفين- أيضا- الخوارج؟ لأنهم لا يعملون بالسنة وإنما يقتصرون على العمل بما في القرآن.
وكذلك كثير من المعتزلة وغيرهم من المبتدعة ينكرون المسح على الخفين.
ولما كان الآمر كذلك أدخل العلماء مسألة المسح على الخفين لا كتب العقائد، كما صنع الطحاوي- رحمه الله- في عقيدته المشهورة وهكذا غيره، وذلك لأن الخلاف فيها وإن كان من الفروع، فهو مع طائفة قد خالفوا في العقائد، فلأجل ذلك ذكرت هذه المسألة في كتب العقائد.
أما ما قاله الإمام أحمد من أن في المسح على الخفين أربعين حديثا، فالظاهر أنه يريد الأحاديث المشهورة والصحيحة فقط، وإلا فقد زادت أحاديث المسح على الخمسين حديثة، حتى ذكر بعضهم أنها تبلغ السبعين أو المائة، وقد تتبعها الزيلعي في (نصب الراية) وأوصلها إلى ستة وخمسين حديثا وذكر أماكنها وطرقها، وتكلم عليها، وقدم منها الأحاديث الصحيحة، وهذا يدل على أن أحاديث المسح على الخفين من قبيل الأحاديث المتواترة.
ثم ذكر المصنف- رحمه الله- حديث جرير - رضي الله عنه- وهو من أصح الأحاديث وأصرحها، وذلك لأن بعضا من الصحابة الذين خفي عليهم المسح على الخفين لما نقل إليهم هذا الحديث قالوا: إنه منسوخ بآية المائدة، أي: أن المسح على الخفين منسوخ بآية المائدة، وهي قوله تعالى: وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ .
والصواب أن المسح على الخفين مستمر بعد نزول سورة المائدة؛ لأن جريرا - رضي الله عنه- رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- يمسح على الخفين، وهو- أي جرير- ما أسلم إلا سنة عشر أي بعد نزول سورة المائدة، فدل هذا على أن المسح على الخفين غير منسوخ بآية المائدة كما فهم ذلك البعض.
ومما يشهد لهذا قول جرير - رضي الله عنه- كما في رواية أحمد ما أسلمت إلا بعد أن أنزلت المائدة، وأنا رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمسح بعدما أسلمت