اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . logo الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه.
shape
كتاب الروض المربع الجزء الأول
153836 مشاهدة print word pdf
line-top
ما يقال بعد التكبيرة الأولى

ويكبر أربعا لـ تكبير النبي -صلى الله عليه وسلم- على النجاشي أربعا. متفق عليه يقرأ في الأولى؛ أي بعد التكبيرة الأولى وهي تكبيرة الإحرام بعد التعوذ والبسملة الفاتحة سرا ولو ليلًا؛ لما روى ابن ماجه عن أم شريك الأنصارية قالت: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نقرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب ولا نستفتح ولا نقرأ سورة معها.


التكبير على الجنازة اختلف في عدده ؛ المشهور أنه أربع تكبيرات، وروي خمس تكبيرات وروي ست، ولا إنكار على من زاد؛ حيث إن بعض الصحابة صلى على رجل وكبر عليه ستا، وقال: إنه بدري يعني من أهل بدر، وصلى بعضهم بخمس تكبيرات، وقال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يكبرها. فالمعتاد والأكثر أربع، ولعله -صلى الله عليه وسلم- كان يكبر أحيانا خمسا وأحيانا ستا، ولكن الأغلب والأكثر الاقتصار على أربع، فإذا زاد الإمام خامسة فلا ينكر عليه.
كيف يزيد أو ما يقول فيها؟ إذا كبر خمسا فإنه يجعل الدعاء العام بعد تكبيرة؛ الدعاء العام: اللهم اغفر لحينا وميتنا، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام، والدعاء الخاص: اللهم اغفر له وارحمه بعد تكبيرة، إذا كبر ستا فإنه يدعو بعد الخامسة بقوله: اللهم لا تحرمنا أجره إلى آخره، ولا يدعو بعد السادسة، بل يقف قليلا ثم يسلم، وهذا الأصل في التكبيرات. والأكثر والأغلب أربع.
أما ما يقول فيها؛ فبعد التكبيرة الأولى يقرأ الفاتحة، ولا يستفتح لا يقول سبحانك اللهم، ولا يقول اللهم باعد بيني وبين خطاياي، ليس فيها استفتاح، بل يبدأ بالقراءة إلا أنه قبل القراءة يتعوذ ويبسمل؛ لعموم الآية: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ولأن البسملة آية من القرآن، وقيل: بل من الفاتحة كما عند الشافعية، فيقرأ الفاتحة وقبلها يتعوذ ويبسمل، القراءة في صلاة الجنازة لا يجهر فيها، يقرأ سرا، ولو كانت الصلاة ليلا؛ عادة أن الليل يجهر فيه بالقراءة كما في المغرب والعشاء والفجر، لكن صلاة لا جهر بالقراءة فيها؛ لأن ذلك لم ينقل بل يخفي فيها القراءة هذا معنى قوله: يقرأ فيها سرا.
ثم قد روي عن ابن عباس أنه جهر بقراءة الفاتحة، وقال: لتعلموا أنها سنة. ما المراد بقوله: لتعلموا أنها سنة؟ هل المراد الجهر أو المراد الفاتحة؟ المراد الفاتحة؛ كأنه أراد أن يعلمهم أن قراءة الفاتحة سنة في الصلاة يعني شرعية، وليس المراد بالسنة الاستحباب، فإن قراءة الفاتحة -كما سيأتي- ركن من الصلاة على الجنائز؛ لعموم قوله: لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب نعم.

line-bottom