الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية.
الأجوبة الفقهية على الأسئلة التعليمية والتربوية
67246 مشاهدة
ظاهرة حلق اللحى أو أخذ شيء منها عند كثير من المدرسين


س 68: وسئل -حفظه الله- يتساهل بعض المدرسين بارتكاب بعض المخالفات الشرعية؛ معتقدًا أن ذلك سنة أو مكروه، ومن أبرز تلك المخالفات وأكثرها انتشار حلق اللحية أو أخذ شيء منها قل أو كثر ؛ علمًا بأنهم القدوة والمربون، فما هو الحكم الشرعي في ذلك؟ نرجو بسط القول في هذه المخالفة، مع ذكر الأدلة وكلام بعض أهل العلم في ذلك.
فأجاب: اللحية هي الشعر النابت على اللحيين وعلى الذقن الذي هو أسفل الوجه، وهذا الشعر أنبته الله -تعالى- في الرجل دون المرأة، فاللحية ميزة الرجال، وهي الفارقة بين الرجل والمرأة، كما أنها زينة وجمال وهيبة ووقار؛ ولذلك جعل إعفاؤها من خصال الفطرة، كما في الصحيح عن عائشة وقد ثبت في الصحيح قول النبي -صلى الله عليه وسلم- قصوا الشوارب، وأعفوا اللحى ؛ أي: اتركوها حتى تعفو؛ أي تكبر وتكثر، وكذا في حديث آخر قال: أحفوا الشوارب ووفروا اللحى ؛ أي: أبقوها واتركوها وافرة، وفي آخر: أرجئوا اللحى ؛ أي: أخروها وأطيلوها، وفي لفظ: أوفوا اللحى ؛ أي: اتركوها وافية، والمعنى تركها معافاة وعدم التعرض لها بقص أو حلق أو نتف.
ولا شك أن اللحية في الرجل جعلت زينة وجمالًا وبهاء وكمالا، ومن استقذرها واستثقلها فقد انعكست فطرته واستحسن القبيح، وقد ابتلينا في هذه الأزمنة بكثرة من يحلقها ويقصرها، وسبب ذلك كثرة هذا الفعل في الوافدين من النصارى ونحوهم، فخيل إلى بعض الناس أن هذا يعد تقدمًا ورقيًّا وثقافة علمية، وأن هؤلاء المفكرين أتم عقولا من المسلمين؛ فحملهم هذا الخيال على تقليدهم واتباعهم، ولا شك أن هذا من التقليد الأعمى ومن التشبه المنهي عنه، ومن محاكاة المجوس وأتباعهم؛ فقد ورد أن اثنين من المجوس دخلا على النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد وفّرا شواربهما وحلقا لحاهما، وقالا: أمرنا بذلك ربنا؛ أي: كسرى، فقال -صلى الله عليه وسلم- لكن ربي أمرني بإعفاء اللحية وقص الشارب .
فأما احتجاج البعض بأن ابن عمر كان يقص ما زاد على القبضة من لحيته فهذا الفعل لم يفعله إلا بعد التحلل من الإحرام، وتأول قوله -تعالى- مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ فأحب أن يجمع بين الحلق للرأس والتقصير للوجه، ورآه من الرأس، وخالفه في ذلك بقية الصحابة، فكانوا لا يتعرضون للحية لا بحلق ولا بتقصير، لكن المستحب أن يجمل لحيته بالمشط والتسريح والتحسين حتى لا تكون متلبدة تشوه المظهر، والله أعلم.