إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية.
إبهاج المؤمنين بشرح منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين (الجزء الثاني)
213444 مشاهدة
شروط صحة السلم

يصح السلم في كل ما ينضبط بالصفة إذا ضبطه بجميع صفاته التي يختلف بها الثمن، وذكر أجله، وأعطاه الثمن قبل التفرق. عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين، فقال: من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم إلى أجل معلوم .


قوله: (يصح السلم في كل ما ينضبط بالصفة: إذا ضبطه بجميع صفاته... إلخ):
يعني: أن الأشياء التي لا تنضبط بالصفة لا يصح فيها السلم، ولذلك قال بعضهم: إن الشيء الذي تدخله الصناعة لا ينضبط بالصفة؛ لهذا قالوا: لا يصح السلم في الأواني؛ لأنها تدخلها الصناعة.
ولكن في نظري أنه يصح السلم فيها؛ لأنها الآن تنضبط بالصفة؛ حيث تصنع بالماكينة، ولا تصنع بالأيدي، فقديما كانوا يصنعون القدر والصحن والقدح بأيديهم، وتختلف لذلك؛ فهذه ثقيلة، وهذه خفيفة، وهذه حديدها صاف، وهذه حديدها غير صاف، فيقع اختلاف، أما الآن فحيث إنها تصنع بالماكينة، فيصح السلم فيها.
ويصح السلم كذلك في كل المصنوعات من أصغرها كالإبر والملاعق والسكاكين، إلى أكبرها كالسيارات والطائرات والماكينات.
فمثلا لو اتفق تاجر مع إحدى الشركات المصنعة على تصنيع نوع معين من السكاكين، وقال: أنا أريد أن تصنعوا لي مائة ألف حبة من هذا السكين، وأدفع لكم ثمنها مقدما، على أن تكون قيمتها كذا، وترسل لي بعد خمسة أشهر مثلا، فيشتريها منهم بثمن رخيص مقابل دفع المبلغ لهم مقدما، وهذا هو السلم.
وهكذا يصح السلم في السيارات فلو أراد تاجر شراء عدد من السيارات فإنه يتفق معهم على قيمة رخيصة للسيارة مقابل أن يدفع لهم قيمتها مقدما، وأن ترسل له بعد مدة محددة، ولكن يلزم أن يحدد نوع السيارة ولونها وحديدها وأدواتها وزمان صنعها؛ لأن الثمن يختلف باختلاف الصفات.
والحاصل أن السلم يصح في كل شيء إذا ضبط بجميع صفاته.
ولا بد من ذكر الأجل؛ كأن يكون بعد خمسة أشهر أو بعد ثلاثة أشهر.
ولا بد من دفع الثمن مقدما قبل التفرق، فتسليم الثمن يكون بمجلس العقد.
قوله: (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة وهم يسلفون الخ):
وذلك لأن أغلب ما كانوا يسلفون فيه المكيل والموزون، فيسلفون في القطن مثلا وهو موزون، فيسلفون في الصوف وهو موزون، فيشتري- مثلا- من صاحب غنم مائتي رطل من الصوف، ولكن صاحب الغنم ما عنده صوف الآن، والصوف ينبت بعد خمسة أشهر أو بعد ستة أشهر، فإذا نبت الصوف بعد خمسة أشتهر أخذه من الغنم وسلمه للمشتري، فلا بد أن يقول: صوف أغنام أو صوف ضأن، لونه كذا، ونوعه كذا.
وكذلك أيضا الكيل، فيكون الكيل معلوما، فالتمركان يكال، والمكيل بصفة عامة هو الذي كانوا يكيلونه في المدينة، وكذا الزبيب يباع بالكيل، وما أشبهها، فإذا قال: اشتريت منك- مثلا- مائة صاع من زبيب تؤديها لي بعد خمسة أشهر، بشرط أن تبيعني الصاع بريال واحد فقط مع أن سعره الآن ثلاثة ريالات أو كثر، ولكن هو بحاجة إلى الدراهم، وأنت بحاجة إلى الربح، ولست بحاجة إلى هذه الدراهم، فتشتري منه هذا الزبيب- مثلا- في ذمته، فإذا حل فإنه يوفيك سواء كان عنده شجر عنب أو ليس عنده، وهكذا التمور ونحوها.
وقوله: ( يسلفون في الثمار )، سواء كانت هذه الثمار تدخر كالزبيب أو لا تدخر كالخوخ، فبعضهم يقدم سنة، وبعضهم يقدم سنتين، فيقول: اشتريت منك وتؤديني بعد سنتين، وتشتري بربع الثمن، وبعضهم سنة.
والحاصل أنه -عليه السلام- قد حدد لهم: من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم كمائة صاع أو مائتين، أو وزن معلوم فكانوا يبيعون ذاك الوقت بالرطل، فيقول: مائة رطل أو مائتي رطل، إلى أجل معلوم كخمسة أشهر أو ستة أشهر أو سنة أو سنتين، فلا بد من تحديد ذلك.