تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه.
شرح كتاب العظمة المجموعة الثانية
108211 مشاهدة
آراء الشيخ في العلوم الفلكية

...............................................................................


فنقول: إن العلامة التي جعلها الله معرفة ظاهرة هي الشمس والقمر؛ أخبر بالحكمة فيها. أخبر بأن الحكمة هي أن تعرفوا عدد السنين وعدد الحساب. عدد الأيام التي تمر بكم، وعدد الأشهر وعدد السنوات. معرفة ذلك بهذه الشمس والقمر.
نعرف أن الله تعالى هو الذي خلق هذه الشمس، وركّبها في فلك تسبح، وخلق القمر وركبه في فلك يسبح. وكذلك النجوم جعلها في أفلاك مركبة؛ تدور فيها كما شاء الله تعالى؛ يقول في هذه الآية: كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ .
كأنها تَسْبَحُ؛ كالسابح الذي يسبح في الماء؛ تسير على نظام واحد: لا تتغير فيه، ولا تترك الفلك الذي ركبت فيه لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ فهذا من آيات الله تعالى.
أما مقدارها فلا يعلم قدرها إلا الله. يعني: كون هناك من يقيس حجمها، ويقول: إنها كذا وكذا -حجمها وكبرها- أو كبر القمر، أو كبر النجم الفلاني ويحددونه. لا شك أن هذا من علم الغيب. وذلك لأن الإنسان خلق على الأرض، ولا يتجاوز علمه هذه الأرض. فهو خلق منها ويعود فيها ولا يتجاوز ما وراءها؛ فليس له أن يتدخل في العلوم الغيبية الغائبة البعيدة عنه.
جاء أو تمكَّن في هذه الأزمنة من يتسمون بأهل الهيئة؛ أي علم الهيئة؛ فصاروا يقدرون كبر الشمس، فقالوا: إن الشمس أكبر من الأرض بكذا وكذا، وأن القمر أنه أكبر من الشمس بكذا أو أكبر من الأرض بكذا. من الذي أخبركم بذلك؟ هل وصلتم إلى الشمس وقستموها؟ لا شك أن هذا من علم الغيب، لا يستطيع الإنسان أن يصل إليها. والله تعالى خلقنا، وجعلنا من أهل الأرض، وليس لنا اتصال بالسماء؛ ولو كانت الشياطين تصل إلى السماء، وكذلك الجن؛ ولكن محجوبون أيضا عن أن يصلوا إلى أن يقيسوا الشمس ويعرفوا مقدارها، ويقيسوا القمر ويعرفوا مقداره، ويقيسوا النجوم ويعرفوا مقدارها؛ بل هم من هذه الأرض خلقوا منها وإليها يعودون؛ فالله تعالى يقول: مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ أي: ما شهدوا خلق الأرض عندما خلقت؛ من أي مادة خلقت؟ ولا خلق السماء، ولا خلق ما في السماء؛ فكيف يدعون بـأن هذا مقدار السماء، ومقدار الأرض، والمسافة التي بينهما، ومسافة سير الشمس إلى كذا وكذا؟ ومتى تتوقف الشمس؟ ومتى يتوقف القمر؟ وما أشبه ذلك؛ فيدعون أنها ثابتة راكدة لا تتغير من مكانها. لا شك أن هذا كله تدخل في علم الغيب.
وقد تمكن هؤلاء الذين يدعون أن الشمس واقفة، وأن دورانها إنما هو دوران حول نفسها كما تدور الرحى، أو كما تدور المروحة السقفية الكهربائية؛ وهي ثابتة في مكانها. هكذا يقولون، وأن الذي يدور هو هذه الأرض، وأن دوران الأرض استدارتها كما يستدير المغزل الذي تديره المرأة في يدها، وأن هذا هو الذي يحصل به الليل، ويحصل به النهار. وما أشبه ذلك.
كل هذا قد رده الله تعالى، وأخبر بأنه ليس بصحيح. أخبر الله تعالى بأن الأرض مستقرة، قال الله تعالى: اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وقرارا يعني: ثابتة مستقرة. وأخبر بأن الشمس تطلع وتتزاور؛ كما في قوله: وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ أليس في هذا دليل على أنها تطلع وتغيب؟ وهكذا القمر يطلع أيضا ويغيب؛ تشاهدونه في أول الشهر قريبا من الشمس، ويكاد أنه يلتصق بها.
وذلك لأنه بمنزلة الزجاجة؛ فإذا كان قريبا منها شعّ نورها في حافته؛ في طرفه الذي يليها فلم يشعّ ولم يظهر إلا شيء قليل مما يليها. وإذا كان في الليلة الثانية ابتعد عنها؛ وذلك لأن سيرها أسرع من سيره، ففي الليلة الثانية يتأخر عنها قليلا، وكلما تـأخر عنها سطع نورها فيه. وهكذا كلما ابتعد عنها منزلة ازداد سطوعها فيه إلى أن يتكامل ضوءه إذا انتصف الشهر، فكان في المشرق والشمس في المغرب. وهنالك يسطع نورها فيه فيضيء كاملا. هكذا أجرى الله تعالى سنته.
أليس ذلك دليلا على أن القمر يسير؟ لو كان ثابتا لما تغير موضعه كما يقولون: إن الشمس لا يتغير موضعها. فكيف يكون في الليلة الأولى إلى جانب الشمس، وفي الليلة الثانية يبعد عنها قليلا، وكل ليلة يبعد عنها إلى أن يصير في نصف الشهر هي في المغرب وهو في المشرق؟ ثم بعد ذلك يقرب منها شيئا فشيئا. لا شك أن هذا دليل على أن الله تعالى قدر له هذه المنازل، فقال تعالى: وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ أي: كل ليلة له منزلة وبين المنزلتين نحو أربعين دقيقة أو نحوها، يعرف ذلك من اختبره، فتعرف ذلك بالدقة لو اختبرت ذلك، وسبرت مغيبه في الليلة الأولى، ثم مغيبه في الليلة الثانية بالدقيقة، ثم في الثالثة؛ فوجدت بين كل ليلتين نحو أربعين أو اثنين وأربعين دقيقة.
لا شك أن هذا دليل على أن الله تعالى جعلها سائرة مذللة مسخرة بأمره، وأنها تسير، وأنها ليست واقفة؛ كما يقول هؤلاء المتأخرون الذين تخرصوا في علم الغيب، وتدخلوا فيما لا ينبغي لهم التدخل فيه.