إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع.
شرح كتاب العظمة المجموعة الثانية
108303 مشاهدة
تعريف الروح

...............................................................................


وأما ماهيتها فقد أكثر العلماء من القول فيها، ورجح ابن القيم تعريفا اختاره ذكره في كتاب الروح، يقول: إن الروح جسم خفيف حي متحرك علوي نوراني، يسري في جسد الإنسان كما يسري الدهن في العود، وكما تسري النار في الفحم، فما دام هذا الجسد قابلا لهذه الإفاضات ولهذه الإمدادات من هذا الروح، فإن الروح تبقى عامرة لهذا الجسد، فإذا خرب ذلك الجسد ولم يبق محلا لهذه الروح، ولا قابلا للإفاضات منها، ولا للحركات، أذن الله تعالى لخروج هذه الروح من هذا الجسد فبقي هامدا.
ثم تعريفه: أنها جسم، ولكن هذا الجسم ليس له وزن ظاهر، ولذلك وُصِفَ بأنه خفيف، أي: ليس له وزن وثقل.
ووصف بأنه علوي، يعني: أنه في الأصل أنه من الأرواح العلوية.
وأنه نوراني: يخرقه البصر، يعني من المخلوقات التي هي نورانية في الأصل.
ووصف بأنه حي، يعني: لا بد فيه من حركة متحرك، يتحرك كما خلقه الله، ولا شك أن هذا دليل على أنه مخلوق، سريانه في الجسد، يعني نفوذه في جسد الإنسان، ثم خروجه منه إذا أذن الله تعالى في خروجه -إما مؤقتا، وإما خروجا كليا- ينفذ في جسد الإنسان.
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم الشيطان مخلوق، وهو أيضا روح، الشياطين أرواح ليس لها أجساد تقوم بها تسلط على الإنسان، فينفذ في جسده كله، ولكنه لا يحس به، يجري في جسده كما يجري الدم في العروق وفي اللحم، يجري من ابن آدم مجرى الدم.
وصفه الله تعالى بأنه الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ يصل إلى القلب، ويلقي في القلب هذه الخطرات، وهذه الأوهام والوساوس دليل على أنه روح خفيفة تنفذ في جسد الإنسان، ولكنه لا يحس به، إذا استعاذ بالله من الشيطان انخنس منه، وانفصل عنه، وقد يبتعد عنه.
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن الملائكة يكتبون أعمال بني آدم وأن على اليمين ملك الحسنات، وعلى الشمال ملك السيئات، مع أن الإنسان لا يحس بها، لا يحس بهذين الملكين يكتبان كما قال تعالى: عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ الرقيب والعتيد هما هذان الملكان، ولا يحس بهما، نصدق بأنهما موجودان مع كل إنسان، ملكان ولا نحس بهما.
كذلك أيضا نصدق بأن الجني قد يسلطه الله على جسد الإنسي، فينفذ في جسد الإنسي، غالبه أن الذكر ينفذ في جسد الأنثى من الإنس، وأن الأنثى من الجن تتسلط على الذكر من الرجال من الإنس، ومع ذلك لا نرى لها رأيا ظاهرا، ولكن نتحقق ذلك؛ ولأجل ذلك إذا ضرب هذا المصروع لا يحس بالضرب، إنما يقع الضرب على ذلك الجني، الألم يحس به ذلك الجني؛ ولذلك يصيح ويتكلم ويستعيذ ويعاهد حتى يخرج، وإذا بخروجه يسأل ذلك الإنسي: هل أنت قلت كذا؟ يقول لا. لا يتذكر أنه قال كذا، ولا يحس بأنه ضُرِبَ.
لا شك أن هذا دليل على أن هذه الروح تسلطت على هذا الجسد، مع أَنَّا نعرف أن الإنسان مركب من جسد وروح، ولكن غلبت روح ذلك الجني على روح الإنسي، فصارت لها النفوذ، وبذلك نعرف قدرة الله تعالى كيف خلق هذه الأرواح ونحن لا نراها، عظمة الله تعالى كيف خلق هؤلاء مع كثرتهم، ومع ذلك لا يُرَوْنَ. فُسِّرَ قوله الله تعالى: تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ أن الروح هي أرواح بني آدم التي رفعت إلى السماء، وأنها تنزل في ليلة القدر، وإن كان فُسِّرَ بأن الروح جنس من الملائكة.
وكذلك قول الله تعالى: يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا فُسِّرَ الروح بأنه جنس من الملائكة، وفسر بأنه أرواح الشياطين وأرواح الجن، أو أنه أرواح بني آدم قبل إعادتها إلى أجسادها. والحاصل: أن هذا ونحوه دليل على عظمة الخالق، حيث خلق هذه الأرواح بهذا الشكل الذي لا يدركه الإنسان.