الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم.    عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة)
شرح كتاب العظمة المجموعة الثانية
108343 مشاهدة
خلق السماوات والأرض أعظم من خلق الناس

...............................................................................


فهذه عظمة هذه المخلوقات؛ يتأمل العباد فيها بعقولهم ويعلموا أن خلقها أعظم شيء؛ ولهذا قال الله تعالى: لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ أي: كيف يعجز الرب عن خلق الناس وإعادتهم مع أنه قد خلق هذه المخلوقات العلوية والسفلية, وهي أكبر من الإنسان, وما الإنسان إلا جزء يسير على هذه الحياة الدنيا وعلى هذه الأرض العليا؛ أنه شيء يسير.
فكيف مع ذلك ينكر قدرة الخالق؟! وكيف يتكبر على ربه؟! وكيف ينكر إعادته بعد الموت؟! وكذلك -أيضًا- يحتجّ الله تعالى بخلق السماوات والأرض على إحياء الموتى في قوله تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى نعم، الذي خلق السماوات والأرض قادر على أن يحيي الموتى ويجمعهم ويعيدهم كما كانوا، ويرد إليهم أرواحهم قادر على ذلك. احتج أيضا بذلك في قوله تعالى: وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ .
الذي خلق السماوات والأرض أليس قادرا على أن يخلق مثلكم؟ أليس قادرا على أن يعيدكم؟ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ فهذا صريح أنه سبحانه على كل شيء قدير، وأنه خلق الإنسان وأنه سيعيده، و إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ .
من آياته هذه المخلوقات جعلها من آياته، قال تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ أي: من الآيات الدالة على كمال قدرة الخالق أنه خلق هذه السماوات والأرض، ومن آياته اختلاف ألسنتكم واختلاف ألوانكم يعني: اختلاف اللغات هذا كلام عربي وهذا كلام عجمي بأي لغات، وكذلك اختلاف الألوان؛ هذا طويل وهذا قصير وهذا أحمر وهذا أبيض وهذا أسود وهذا أسمر؛ كل على ما خلقه الله عليه، هذا من آياته.
وكذلك قول الله تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ هذا أيضا من آياته سبحانه. كيف أنه خلق السماوات والأرض، وبث على الأرض الدواب. إن الذي خلق هذه المخلوقات لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء. كذلك أقرب شيء إلى الإنسان هذه الأرض التي يتقلب عليها، ويتنقل من مكان إلى مكان. خلق الله الإنسان من هذه الأرض، ثم أخبر بأنه يعيده فيها، وأخبر بأنه يخلقه بعد ذلك منها، فيقول تعالى: مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى ابتدأ خلق الإنسان من هذه الأرض أي: من التراب أي: من الطين. خلقه من الطين؛ كما في قول الله تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ وفي قوله تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ أي: من طين الأرض؛ سلالة طين خلق الله وصور الإنسان أصله منها، وكذلك قوله تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ يعني: ثم جعل أبناءكم يخلقون من هذه النطفة الْمَذِرَة. كذلك يعيدكم فيها، بعد الموت لا بد أنه يدفن في هذه الأرض أو تأكله هذه الأرض ويصبح ترابا ورفاتا، ثم يعيدهم بعد ذلك؛ يخرجكم منها تارة أخرى. فكل هذا دليل على أنها من آيات الله.
كثيرا ما يأمر الله الإنسان بأن ينظر في الأرض ويسير، فيقول الله تعالى: أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ يعني: يتقلبوا فيها ويعتبر بما فيها. لا شك أن في هذه الأرض عبرة وموعظة لمن تفكر ولمن اتعظ، فنحن نشاهد في بعض الأرض ترابا عاديا، ثم تسير بعده قليلا ثم تجد أرضا رملية؛ من الرمل الذي هو أخف أنواع التراب، ثم تسير بعد ذلك فتجد أرضا حجرية؛ ليس فيها تراب ولا فيها رمال، وإنما فيها حجارة منبثة على وجهها، تسير وتجد أرضا جبلية؛ ليس فيها إلا جبال شاهقة صغيرة أو كبيرة طويلة أو قصيرة، تسير بعد ذلك قليلا ثم تجد شعابا فيها بطحاء وفيها أنواع من الحصباء الصغيرة، ونحوها.
كذلك أيضا تجد أرضا مستوية منبسطة، ثم بعد مدة تجد أرضا متمايزة فيها مرتفع وفيها منخفض، وكذلك تجد أرضا سبخة لا تنبت أو أرضا مالحة شديدة الملوحة، وهكذا أيضا تجد بعد ذلك أرضا طيبة؛ تنبت الكلأ وتنبت الشجر ونحو ذلك. وهكذا أيضا إذا تأملت في ما ينبت فيها وجدت في هذه البقعة أشجارا كبيرة، وبعدها تجد أشجارا صغيرة وبعدها لا تجد إلا كلأ ونباتا مما ينبت وينبسط على وجه الأرض. لا شك أن ذلك كله من آيات الله تعالى، حيث جعل هذه الأرض تنبت وهذه لا تنبت، وهذه نباتها شجر كبير وهذه نباتها صغير، وهذه لا تنبت إلا الكلأ والعشب وما أشبه ذلك.
لا شك أن الذي يتأمل في ذلك يجد عبرة وعظة؛ ولذلك يذكّر الله تعالى الإنسان بالنظر في هذه الآيات، فيقول تعالى بعدما ذكر خلقه: خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ أن تميد بكم، وجعل فيها رواسي يعني: هذه الجبال حتى لا تميل, وحتى لا تتحرك. ثم قال بعد ذلك: هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ .