(يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه.
شرح لمعة الاعتقاد
194234 مشاهدة
وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين

من السنة بعد ذلك السمع والطاعة لأئمة المسلمين، وأمراء المؤمنين.
الأئمة: قيل إن المراد بهم العلماء، فإنهم أئمة الدين، وقيل: الأمراء، العلماء والأمراء بلا شك لهم حق على غيرهم، فللعلماء حق الاتباع وحق السمع والطاعة وحق الأخذ عنهم كالأئمة الأربعة أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد .
وكذلك -أيضا- الأئمة الذين خدموا الإسلام كأهل الصحيحين، وأهل السنن، وأهل المسانيد، وكذلك العلماء المشاهير الذين كان لهم قدم صدق في نصر الإسلام لهم حق علينا في أن نحبهم، ولهم حق علينا في أن نسمع منهم ونأخذ عنهم ونستفيد من فوائدهم.
كذلك -أيضا- الملوك والخلفاء لهم حق على رعيتهم في أن يسمعوا لهم، وأن يطيعوا، وألا يخالفوهم وألا يخرجوا عليهم، وذلك لأن في الاجتماع على الخلفاء وعلى الأمراء، وعلى ولاة الأمور خير كثير، فإن بإمارتهم تأمن البلاد بدل ما كانوا يتقاتلون اجتمعت الكلمة على أولئك الخلفاء والأمراء، فكان في ذلك خير وصلاح للرعية؛ حيث استقام على أمر الله تعالى وعلى طاعته، وحيث حفظ الله تعالى بهم دينه وأمنت بهم البلاد.
فلذلك لا يجوز الخروج عليهم ..كل من تولى أمرا من أمور المؤمنين إمارة عامة أو خاصة، ولو كان معه شيء من نقص في الدين، فلهذا يجوز السمع والطاعة لأمراء المؤمنين برهم وفاجرهم، وردت الأدلة على ذلك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لأبي ذر اسمع وأطع وإن ضُرب ظهرك وأخذ مالك .
عليك بالسمع والطاعة فإن في ذلك خير أولى من نزع اليد عن الطاعة، وكذلك بايع النبي -صلى الله عليه وسلم- كثيرا من أصحابه على السمع والطاعة في العسر واليسر والأثرة عليه، يقولون: أخذ علينا البيعة في عسرنا ويسرنا وأثرة علينا وألا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم فيه من الله برهان يعني: اسمعوا وإن ضربتم، وإن أخذت أموالكم، وإن استؤثر بالولايات عليكم، وإن استؤثر بمصالح الدنيا عليكم، وإن استأثروا بالمصالح، وإن جعلوها لهم دونكم فاسمعوا، وأطيعوا، ولا تخرجوا، ولا تقاتلوا.
فإن في قتالهم والخروج عليهم مفاسد كثيرة وفتنا، وحصول ضرر، وتفرق بين المسلمين، فالواجب عليهم السمع والطاعة، وألا ينازعوا الأمر أهله.
وكذلك ثبت أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: عليكم بالسمع والطاعة، وإن تأمَّر عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة يعني: عادة الحبشة أن رءوسهم تتجعد كأن الشعرة كالزبيبة يقودكم بكتاب الله، وإن تأمر عليكم عبد مجدع الأطراف فاسمعوا له وأطيعوه؛ كل ذلك حث على السمع والطاعة من ولاة المؤمنين، إلا إذا أمروا بمعصية فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
ولذلك قال: إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم فيه من الله برهان من ولي الخلافة، واجتمعت عليه كلمة المسلمين، اجتمع عليه الناس، فإنه يُسمع له ويُطاع إذا اجتمع عليه الناس بقطع النظر عن حالته؛ قد كان كثير من الصحابة يطيعون الحجاج ويطيعون الوليد بن عقبة لما كان أميرا عليهم، لأن في مخالفتهم شيئا من الخلافات، وفيه شيء من الضرر ونحو ذلك، فلا بد من السمع والطاعة، ولا بد من الموافقة على أمرهم حتى لا تتفرق الكلمة ولا تحصل الفتن.
فإذا اجتمع المسلمين على خليفة، ورضوا به أو غلبهم بسيفه، واستولى عليهم غلبهم بسيفه حتى صار خليفة وحتى سموه أميرًا أو أمير المؤمنين، فإنها تجب طاعته، وتحرم مخالفته، ويحرم الخروج عليه، ويحرم شق عصا المسلمين.
قد كان الإمام أحمد -رحمه الله- ينهى عن مساعدة أولئك الخارجين الذين يخرجون عن الطاعة، ويخرجون على ولاة الأمور، ويقول: ماذا استفادوا من خروجهم هذا؟
إنما حصل فتن وحصل شقاق وقتل وقتال للمسلمين!! يصبرون ولو كان في الأمراء جور وضربوا -مثلا- بالحجاج لما ولي العراق وصار واليا على العراق وعلى خراسان وعلى الهند والسند وعلى شرقي البلاد صار واليا على ذلك كله، وصار معه شيء من البطش، والشدة، والقتل بالتهمة، والقسوة في المعاملة حمل ذلك كثير على أنهم خرجوا عن طاعته، وبايعوا رجلا يُقال له ابن الأشعث ولما بايعوه واجتمع عليه خلق، عند ذلك قاتلهم الحجاج وانتصر عليهم، فقُتل بسبب تلك الفتنة خلق كثير؛ حتى قيل: إنه قتل فيها نحو ثمانين ألفا من أول ما ثارت إلى أن مات الحجاج .
هذا بسبب هذه الفتنة لما أنهم خلعوا إمارة الحجاج بل خلعوا -أيضا- إمارة عبد الملك الذي هو الخليفة في ذلك الوقت، كل ذلك حصل فيه هذه المفاسد.
كذلك خرج بعده ابن المهلب ومع ذلك ما أفلح، بل قُتِل وقُتِل -أيضا- بسببه خلق، ثم خرج بعده قتيبة بن مسلم وهو أحد القواد ومع ذلك ما أفلح بل قتل.
وكذلك -أيضا- لما تمت الولاية لبني العباس وتمت الخلافة للمنصور خرج بعده قوم جماعة من ذرية علي من أولهم شخص يُقال له النفس الذكية، فسموه بالمهدي لأن اسمه محمد بن عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب .
وكذلك -أيضا- خرج بعده أخوه العباس حصل بذلك فتن، وقتال في آخر عهد بني أمية خرج زيد الذي تنتمي إليه الزيدية، ثم قتل -أيضا- كل ذلك من أسباب هذا الخروج الواجب السمع والطاعة حتى تجتمع الكلمة على الوالي حتى يأمن الناس على أموالهم وعلى دمائهم؛ فلا يجوز الخروج عليهم ما لم يظهروا كفرا بواحا، ولا تجوز مخالفتهم؛ لأن في ذلك شق عصا المسلمين، العصا إذا انشقت بلا شك أنها يسهل كسرها، فيكون ذلك سببا لانتصار الأعداء والمشركين على المسلمين، وسببا لضعف المسلمين، وتفرقهم.