إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به)
شرح لمعة الاعتقاد
194297 مشاهدة
رأي المعتزلة في كلام الله تعالى

أما نفاة الكلام من المعتزلة: فادعوا أن الله لا يتكلم تعالى الله عن قولهم؛ ونفوا صفة الكلام التي هي صفة كمال فتنقصوا الرب تعالى غاية التنقص؛ أما الأشاعرة فإنهم أثبتوا صفة الكلام ولكن ثقل عليهم إثباتها كما هي فادعوا أن كلام الله هو المعنى ليس هو الحروف وادعوا أن الكلام فيض يفيض على أنه يسمع بالآذان وهذا في الحقيقة أيضا إنكار لحقيقة الكلام؛ يزعمون أن كلام الله تعالى معاني غير مسموعة ومما يستدلون به بيت ينسبونه إلى الأخطل يقول فيه:
إن الكـلام لفي الفـؤاد وإنمـا
جعل اللسان على الفـؤاد دليلا
هذا دليلهم على أن الكلام هو المعنى لا أنه هو اللفظ وبئس الدليل.
فنقول لهم أولا: أن هذا الشاعر كافر لأنه نصراني ومعلوم أن النصارى لا يستدل بكلامهم وذلك لأنهم ضلوا في مسالة الكلام وادعوا أن عيسى عليه السلام هو نفس الكلمة هذا من حيث العموم؛ ثم نقول: أيضًا هل هذا ثابت أم لا بحث العلماء عن هذا البيت فلم يجدوا له دليلا ما وجد في ديوان الأخطل الديوان المشهور وكذلك لم يكن مشهورا يعني استدلوا به دلالة واضحة.
ثم أيضا نحن نقول:
قبـحا لمن نبذ الكتـاب وراءه
وإذا استدل يقـول قــال الأخطل
تتركون دلالة القرآن ودلالة الأحاديث ودلالة كلام العرب وتعتمدون على هذا البيت الذي لا يدرى من قائله وتنسبونه إلى الأخطل يقول ابن القيم في النونية:
ودليلهــم فــي ذاك بيت قالـه
فيمـا يقـال الأخطل النصرانـي
أي أنه ليس ثابتا ثم أنتم تأتيكم الأحاديث التي في الصحيحين وتقولون: لا نقبلها لأنها أخبار آحاد مع أنها مروية بأسانيد صحيحة ثابتة ليس في إسنادها طعن وتردونها، وتقولون: أخبار آحاد لا ينبغي أن تبنى عليها العقائد؛ لأن العقائد لا تبنى على الظنون، والآحاد إنما تفيد الظن وأنتم مع ذلك تعتمدون هذا البيت الذي لا يدرى من قائله وليس له إسناد.
وذكر بعضهم أن لفظ البيت:
(إن البيان لفي الفؤاد) ليس (إن الكلام) ثم إن قدر أنه ثابت فمع ذلك تقدمونه على الأدلة الصريحة كهذه الآيات فإنها صريحة في إثبات أن الكلام هو المسموع، ليس الكلام هو ما في القلب أو ما في النفس أو ما في الضمير والعرب لا تعرف الكلام إلا ما يسمع بالأذن، وأما ما يكون في القلب فلا يسمى كلاما؛ ومن القواعد الأصولية أنه لا ينسب للساكت كلام لا يقال إنه متكلم ما دام ساكتا.
ونقول أيضًا: إن نفي الكلام يعتبر نقصا؛ ومن الأدلة عليه قول الله تعالى: وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ هذا عيب أعاب الله إلههم بأنه لا يكلمهم فدل على أن نفي الكلام نقص فالذين قالوا: إن الله لا يكلم عباده تنقصوه كما يتنقص ذلك العجل الذي هو جسد له خوار لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا.
فعرفنا أن المعتزلة أنكروا أن يكون الله تعالى متكلما.