شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك.
شرح لمعة الاعتقاد
194211 مشاهدة
الجزيرة العربية زمن بعثة النبي صلى الله عليه وسلم

فآخر الأنبياء نبينا محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم- فإن الله تعالى بعثه عندما اشتد الشرك في العرب في هذه الجزيرة وأصبحوا يعبدون تلك الأخشاب والأحجار والصور ويعبدون ما يتخيلون أنه ينفعهم في زعمهم؛ فبعثه الله تعالى إلى قوم يعرفون الله ويعرفون أنه ربهم؛ ولكن يعبدون تلك الأوثان يدعون أنها تنفعهم وأنها تشفع لهم وتسقيهم وتجيب دعوتهم، فدعاهم إلى عبادة الله وحده وإلى معرفته، وأنزل الله عليه القرآن الكريم الذي اشتمل على تعريف برب العالمين، وعلى بيان أحقية الله سبحانه بالعبادة دون ما سواه، وإقامة البراهين والبينات على ذلك، فيحتج الله تعالى عليهم بما يعرفون على ما ينكرون، يحتج عليهم باعترافهم؛ حيث إنهم يعترفون بأنهم مخلوقون قال الله تعالى: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَا يُوقِنُونَ هكذا أخبر. اعترفوا بأنهم ليسوا خالقين لم يخلقوا أنفسهم؛ بل لا بد لهم من خالق خلقهم، أقام الله تعالى عليهم الحجة وقطع معذرتهم، فلما هداهم الله تعالى وأنابوا إليه أمرهم الله بأن يخلصوا له العبادة وأن يطيعوه، وأن يتقربوا إليه بأنواع القربات التي منها دعاؤهم له، ورجاؤهم وخوفهم، وتوكلهم واعتمادهم عليه، ورهبتهم منه ورغبتهم إليه، وخشوعهم وخشيتهم، واستعانتهم بالله واستغاثتهم له في الشدائد، وتوبتهم إليه وإنابتهم إليه، وركوعهم وسجودهم، وقيامهم وقعودهم وإخباتهم إلى الله تعالى، فدانوا بذلك واتبعوا ما جاءهم به نبيهم -صلى الله عليه وسلم- وبقوا يعبدون الله تعالى ويعرفون أنه هو المعبود وحده.
ثم بعدما انقرض عهد الصحابة أو كاد أن ينقرض حدثت بدع وشركيات حصل فيها شيء من التغير لما فطروا عليه، ولما أرسلت به رسلهم، ولما جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم- وكان الذي حدث أولا تغير في العقيدة التي كانوا يعقدون عليها قلوبهم، فحدث أن من الناس الذين دخلوا في الإسلام إما تقليدا وإما حيلة لتغيير فطرة الناس أن دعوهم إلى تغيير تلك الفطرة التي فطروا عليها؛ ألا وهي تغيير ما يعتقدونه وما يعرفونه من الإيمان بالله تعالى إلها وربا وخالقا ومدبرا ومتصرفا، أو من الإقرار بأسماء الله تعالى وصفاته، واعتقاد أنه موصوف بصفات الكمال، منعوت بنعوت الجلال.
الذين تغيرت فطرتهم أو الذين غيروا فطرة الناس كانوا من غير المسلمين حقا؛ إنما هم من الذين كانوا على عقائد باطلة في باب الاعتقاد كالمجوس الذين أسلموا ظاهرا، واليونان ونحوهم من الذين أرادوا أن يشوشوا على المسلمين ويدخلوا عليهم الشك في الاعتقاد، فكان هذا هو السبب في أنهم حرفوا عقيدة المسلمين، فأنكروا شيئا من الصفات بالتدريج، ثم أنكروا صفات الله تعالى التي أثبتها لنفسه وأثبتها له أنبياؤه، وفطر الله عليها الخلق، واعترف بها الصغير والكبير.