اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية.
إبهاج المؤمنين بشرح منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين (الجزء الأول)
143387 مشاهدة
الغسل من الجنابة وإسلام الكافر

[باب: ما يوجب الغسل، وصفته]
ويجب الغسل من: الجنابة ، وهي: إنزال المني بوطء أو غيره، أو بالتقاء الختانين، وخروج دم الحيض، والنفاس، وموت غير الشهيد.
وإسلام الكافر.
قال تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا [المائدة: 6] وقال تعالى: وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ الآية [البقرة: 222] أي: إذا اغتسلن، وقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالغسل من تغسيل الميت .
وأمر من أسلم أن يغتسل .



[باب: ما يوجب الغسل، وصفته]
الغسل هو اغتسال الإنسان، وهو غسل جميع بدنه بالماء، أو إمرار الماء على جميع بدنه مع الدلك ونحوه.
موجبات الغسل:
أولا: الجنابة:
قوله: (ويجب الغسل من: الجنابة، وهي: إنزال المني بوطء أو غيره، أو... الخ):
سميت بذلك؛ لأن الجنب كأنه يتجنب أشياء لا يتجنبها غيره، كالمساجد، والقرآن، ومس المصحف؛ لذلك سمي جنبا، قال تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا [المائدة: 6] وهي تطلق على الواحد والجماعة، فيقال: هؤلاء جنب، وهذا جنب.
والجنابة هي : إنزال المني بوطء أو غيره أو بالتقاء الختانين، أي: أن أحد أسباب الجنابة هو: إنزال المني بوطء، أو غيره.
فإذا خرج المني بدفق وصحب خروجه لذة وجب الغسل؛ سواء بتكرار النظر أو بالمباشرة أو نحو ذلك، فالجميع يوجب الوضوء إذا خرج المني.
والمني هو : الماء اللزج الأصفر الذي يخرج من الذكر عند الوطء والاحتلام، وعند تحرك الشهوة ونحوها، ويعقب خروجه شيء من الفتور ونحوه، فهو من
موجبات الغسل ودليل ذلك قوله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا [المائدة: 6] .
ولكن الله لم يذكر نوع التطهر، ولكنه ذكره في آية أخرى، وهي قوله تعالى: وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا [النساء: 43] فذكر أن رفع الجنابة يكون بالاغتسال.
ومن أسباب الجنابة التقاء الختانين، وفيه خلاف إذا لم يكن هناك إنزال، فكان بعض الصحابة كجماعة من الأنصار يرون أنه لا يوجب الغسل إلا الإنزال، لقوله في الحديث: الماء من الماء ثم ترجح لهم أن هذا الحديث منسوخ، وأن مجرد إيلاج رأس الذكر ولو لم يحصل إنزال يوجب الغسل؛ وذلك لقوله -صلى الله عليه وسلم- إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل .
ثانيا: دم الحيض والنفاس:
قوله: (وخروج دم الحيض، والنفاس):
إذا طهرت الحائض أو النفساء فإن عليها أن تغتسل، فخروج دم الحيض ولو كان قليلا ثم انقطاعه يوجب الغسل، ودليل الغسل من الحيض قوله تعالى: وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ [البقرة: 222] فقوله: (يطهرن) أي: ينقطع دمهن، و(تطهرن) أي: اغتسلن، فدل على أنها لا تحل لزوجها حتى تغتسل بعد الحيض.
ثالثا: الموت لغير الشهيد:
قوله: (وموت غير الشهيد):
أي: يجب تغسيل الميت المسلم غير الشهيد أما الشهيد فلا يغسل؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بدفن الأموات في ثيابهم بدون تغسيل أو تكفين، كما هو مشهور .
وأما من غسل ميتا فهل يلزمه الاغتسال ؟
اختلف أهل العلم في ذلك، فقال بعضهم: يجب عليه الاغتسال، لحديث أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: من غسل ميتا فليغتسل فأمر بالغسل من تغسيل الميت.
وقال بعضهم: إن هذا الأمر للاستحباب، وذلك لأنه ورد أدلة أخرى في أنه يكفي الوضوء، قالوا: أقل ما فيه الوضوء، وإن الاغتسال إنما هو سنة، وإذا أمر بالاغتسال من غسل الميت دل على أن غسل الميت واجب.
وقد ذكر ذلك أيضا في حديث ابن عباس في الرجل الذي مات وهو محرم،
فقال: اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه وإذا أمر بتغسيل المحرم فغيره بطريق أولى.
رابعا: إسلام الكافر:
قوله: (وإسلام الكافر):
إذا أسلم الكافر وجب أن يغتسل؛ لأن بدنه نجس، فوجب عليه أن يطهر ذلك البدن بالغسل؛ لقوله تعالى: (إنما المشركون نجس) [التوبة: 128] ولأنه لو اغتسل وهو كافر لم يرتفع حدثه، وفي حديث قيس بن عاصم: أنه لما أسلم أمره أن يغتسل بماء وسدر فدل على أنه يجب الغسل على من أسلم.
قوله: (قال تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وقال تعالى: وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ إلخ):
أورد هذه الآثار كأدلة على موجبات الغسل، لأن الغالب في طريقة المؤلف أنه يذكر المسالة ثم يذكر أدلتها وذلك للاختصار.