الغسل من الجنابة وإسلام الكافر

[باب: ما يوجب الغسل، وصفته] ويجب الغسل من: الجنابة ، وهي: إنزال المني بوطء أو غيره، أو بالتقاء الختانين، وخروج دم الحيض، والنفاس، وموت غير الشهيد. وإسلام الكافر. قال تعالى: { وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا } [المائدة: 6] وقال تعالى: { وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ } الآية [البقرة: 222] أي: إذا اغتسلن، وقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالغسل من تغسيل الميت لحديث: " من غسل متا فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ " عن أبي هريرة رضي الله عنه. وقد سبق تخريجه مفصلا قريبا ص 98. . وأمر من أسلم أن يغتسل لحديث قيس بن عاصم رضي الله عنه قال: " أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- أريد الإسلام فأمرني أن أغتسل بماء وسدر " . سبق تخريجه ص 153. . [باب: ما يوجب الغسل، وصفته] الغسل هو اغتسال الإنسان، وهو غسل جميع بدنه بالماء، أو إمرار الماء على جميع بدنه مع الدلك ونحوه. موجبات الغسل: أولا: الجنابة: قوله: (ويجب الغسل من: الجنابة، وهي: إنزال المني بوطء أو غيره، أو... الخ): سميت بذلك؛ لأن الجنب كأنه يتجنب أشياء لا يتجنبها غيره، كالمساجد، والقرآن، ومس المصحف؛ لذلك سمي جنبا، قال تعالى: { وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا } [المائدة: 6] وهي تطلق على الواحد والجماعة، فيقال: هؤلاء جنب، وهذا جنب. والجنابة هي : إنزال المني بوطء أو غيره أو بالتقاء الختانين، أي: أن أحد أسباب الجنابة هو: إنزال المني بوطء، أو غيره. فإذا خرج المني بدفق وصحب خروجه لذة وجب الغسل؛ سواء بتكرار النظر أو بالمباشرة أو نحو ذلك، فالجميع يوجب الوضوء إذا خرج المني. والمني هو : الماء اللزج الأصفر الذي يخرج من الذكر عند الوطء والاحتلام، وعند تحرك الشهوة ونحوها، ويعقب خروجه شيء من الفتور ونحوه، فهو من موجبات الغسل ودليل ذلك قوله تعالى: { وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا } [المائدة: 6] . ولكن الله لم يذكر نوع التطهر، ولكنه ذكره في آية أخرى، وهي قوله تعالى: { وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا } [النساء: 43] فذكر أن رفع الجنابة يكون بالاغتسال. ومن أسباب الجنابة التقاء الختانين، وفيه خلاف إذا لم يكن هناك إنزال، فكان بعض الصحابة كجماعة من الأنصار يرون أنه لا يوجب الغسل إلا الإنزال، لقوله في الحديث: { الماء من الماء } رواه البخاري رقم (180) في الوضوء، ومسلم رقم (343) في الحيض، واللفظ له. ثم ترجح لهم أن هذا الحديث منسوخ، وأن مجرد إيلاج رأس الذكر ولو لم يحصل إنزال يوجب الغسل؛ وذلك لقوله -صلى الله عليه وسلم- { إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل } رواه مسلم رقم (349) في الحيض. . ثانيا: دم الحيض والنفاس: قوله: (وخروج دم الحيض، والنفاس): إذا طهرت الحائض أو النفساء فإن عليها أن تغتسل، فخروج دم الحيض ولو كان قليلا ثم انقطاعه يوجب الغسل، ودليل الغسل من الحيض قوله تعالى: { وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ } [البقرة: 222] فقوله: (يطهرن) أي: ينقطع دمهن، و(تطهرن) أي: اغتسلن، فدل على أنها لا تحل لزوجها حتى تغتسل بعد الحيض. ثالثا: الموت لغير الشهيد: قوله: (وموت غير الشهيد): أي: يجب تغسيل الميت المسلم غير الشهيد أما الشهيد فلا يغسل؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بدفن الأموات في ثيابهم بدون تغسيل أو تكفين، كما هو مشهور لحديث جابر رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " ادفنوهم في دمائهم " يعني يوم أحد. ولم يغسلهم. أخرجه البخاري برقم (1346). وعن أنس رضي الله عنه قال: " إن شهداء أحد لم يغسلوا، ودفنوا في دمائهم، ولم يصل عليهم غير حمزة " . أخرجه أبو داود برقم (3135)، والحاكم (1 / 365). والبيهقي (4 / 10)، وأحمد (3 / 128). قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، وقال النووي في المجموع (5 / 265): إسناده حسن أو صحيح. وقال الألباني في أحكام الجنائز ص 74: هو عندي حسن. والأحاديث في الباب كثيرة. . وأما من غسل ميتا فهل يلزمه الاغتسال ؟ اختلف أهل العلم في ذلك، فقال بعضهم: يجب عليه الاغتسال، لحديث أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: { من غسل ميتا فليغتسل } سبق تخريجه ص 98. فأمر بالغسل من تغسيل الميت. وقال بعضهم: إن هذا الأمر للاستحباب، وذلك لأنه ورد أدلة أخرى في أنه يكفي الوضوء، قالوا: أقل ما فيه الوضوء، وإن الاغتسال إنما هو سنة، وإذا أمر بالاغتسال من غسل الميت دل على أن غسل الميت واجب. وقد ذكر ذلك أيضا في حديث ابن عباس في الرجل الذي مات وهو محرم، فقال: { اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه } رواه البخاري رقم (1265) في الجنائز، ومسلم رقم (1206) في الحج. وإذا أمر بتغسيل المحرم فغيره بطريق أولى. رابعا: إسلام الكافر: قوله: (وإسلام الكافر): إذا أسلم الكافر وجب أن يغتسل؛ لأن بدنه نجس، فوجب عليه أن يطهر ذلك البدن بالغسل؛ لقوله تعالى: (إنما المشركون نجس) [التوبة: 128] ولأنه لو اغتسل وهو كافر لم يرتفع حدثه، وفي حديث قيس بن عاصم: { أنه لما أسلم أمره أن يغتسل بماء وسدر } رواه أبو داود رقم (355) في الطهارة، والترمذي رقم (605) في الجمعة، والنسائي (1 / 109) في الطهارة. قال الترمذي: هذا حديث حسن، لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وصححه الألباني في صحيح الترمذي رقم (495). وفيه كلام مذكور في حاشية الزركشي رقم (186). فدل على أنه يجب الغسل على من أسلم. قوله: (قال تعالى: { وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا } وقال تعالى: { وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ } إلخ): أورد هذه الآثار كأدلة على موجبات الغسل، لأن الغالب في طريقة المؤلف أنه يذكر المسالة ثم يذكر أدلتها وذلك للاختصار.