القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه.
إبهاج المؤمنين بشرح منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين (الجزء الأول)
143747 مشاهدة
شروط الحج

والاستطاعة: أعظم شروطه، وهي: ملك الزاد والراحلة، بعد ضرورات الإنسان وحوائجه الأصلية.


قوله: (والاستطاعة: أعظم شروطه، وهي: ملك الزاد والراحلة، بعد ضرورات الإنسان وحوائجه الأصلية):
فسرت الاستطاعة بأن يملك زادا وراحلة بعد حوائجه الأصلية وضرورات الإنسان، والزاد هو: الذي يبلغه ذهابا وإيابا، أي: النفقة، و الراحلة هى: التي يركبها وتؤديه ذهابا وإيابا، أو يجد أجرة يستأجر بها ما يركب به.
كان السفر قديما على الإبل؛ لأنها هي التي تحمل الأثقال: وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ [النحل: 7] فكان من وجد راحلة من الإبل التي تحمل مثله زائدة على حوائجه الأصلية، فإنه يلزمه الحج.
أما في هذه الأزمنة فوجدت هذه المراكب الجديدة التي يسرها الله، المراكب الجوية: الطائرات، والمراكب البرية: السيارات، والمراكب البحرية: الباخرات، وهذه سهلت على الناس؛ فلذلك أصبحت المؤونة أقل، والصعوبة أسهل مما كان عليه في الزمان الماضي؛ لذلك يقال: إن الحج تيسر، ولم يعد صعبا كما أخبر الله بذلك في قوله: لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ [النحل: 7] .
والحاصل أنهم اشترطوا للحج ستة شروط
الأول: الإسلام: فلا يجب على الكافر، الثاني: البلوغ : فلا يجب على الصغير، الثالث: الحرية : فلا يجب على المملوك؛ لأنه مشغول بخدمة سيده، الرابع: الاستطاعة : التي هي القدرة على الوصول، الخامس: الأمن أي: أمن الطريق؛ لأنه إذا كان مخوفا، كأن يكون فيه قطاع طرق مثلا فإنه يصعب عليه أن يسلكه، السادس: خاص بالمرأة وهو: وجود محرم
فإذا تمت الشروط وجب الحج.
مسألة:
هل يجب الحج على الفور أم على التراخي ؟
ذهبت الشافعية إلى أنه على التراخي، واستدلوا بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- آخره إلى سنة عشر، ولو كان على الفور لم يؤخر، والجمهور على أنه يحب على الفور واستدلوا بأنه عليه الصلاة والسلام قال: تعجلوا الحج- أي: الفريضة- فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له .
وأجابوا عن تأخره -صلى الله عليه وسلم- عن الحج أنه كان لعذر، فالسنة التي حصل فيها فتح مكة كان منشغلا بالجهاد وبالحصار وبقسم الغنائم، وكذلك لا زال أهل الجاهلية يحجون والمشركون كثير، أما سنة تسع فكان المشركون يحجون فيها ويفعلون في الحج عادات أهل الشرك، فأراد أن يطهر البيت قبل أن يحج فأرسل أبا بكر حاجا ومعه بعض الصحابة، وأمرهم أن ينادوا: أن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف في البيت عريان، فلما كانت السنة العاشرة وكانت البلاد قد أمنت، وكان المسلمون قد عرفوا حرمة البيت، حج في تلك السنة، وبين للناس مناسكهم، وسميت حجة الوداع؛ لأنه ودع الناس فيها.