الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه
إبهاج المؤمنين بشرح منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين (الجزء الأول)
143459 مشاهدة
أهمية صلاة الجمعة


[باب: صلاة الجمعة]


[باب: صلاة الجمعة]
هذا باب صلاة الجمعة، وقد اختصره المؤلف -رحمه الله-؛ ولذلك ننبه على بعض المسائل المهمة التي لم يذكرها، فمنها: أهمية هذه الصلاة، ومنها: من تلزمه ممن هو بعيد عنها، ومنها: اشتراط العدد أو كم يكون عدد الذين تلزمهم الجمعة؟
أهمية صلاة الجمعة :
ودليل أهميتها أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حث عليها وحذر من التخلف عنها، فثبت عنه أنه قال على أعواد منبره: لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات، أو ليختمن على قلوبهم، ثم ليكونن من الغافلين ودعهم، أي: تركهم، أي: لينتهين عن تركهم صلاة الجمع، والمعنى أن الله توعد الذين يتخلفون عن صلاة الجمعة أن يختم على قلوبهم.
وكذلك قال -صلى الله عليه وسلم- من ترك ثلاث جمع تهاونا طبع الله على قلبه وهذا الحديث نظير الأول: ليختمن الله على قلوبهم، والختم والطبع متقاربان، ولكن في هذا الحديث حدد ثلاثا جمع؛ لأن الجمعة الأولى قد يكون جاهلا بها أو متهاونا، كذلك الثانية، فإذا تابع ثلاث جمع دل ذلك على تساهله بهذه الشعيرة.

الحكمة في صلاة الجمعة
أولا: تحصيل الأجر:
وتحصيل الأجر يكون بالخطوات إلى المساجد، ويكون بانتظار الإمام فيأتي ببعض العبادات، كأن يصلي ما كتب له، أو يقرأ قرآنا، أو ينصت لمن يقرأ، وكل ذلك أجر، فإن الإنسان في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه، والملائكة تستغفر له: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، ما لم يؤذ أو يحدث .
وثانيا: الاستفادة:
ولا شك أن الخطب التي تكون في الجمع والأعياد تشتمل على فوائد وتعليمات وأحكام ومواعظ وإرشادات، فينقلب الذي يحضرها وقد تزود علما، وقد حصل على فوائد لم يكن يعرفها.
ثالثا: التعارف:
وهو أن أهل القرية إذا اجتمعوا كل أسبوع، ولقي بعضهم بعضا تبادلوا التحية وتبادلوا النصيحة، وتعارفوا فعرف بعضهم بعضا، وسلم بعضهم على بعص، وتفقد بعضهم حال أخيه، وعرف من في هذا البلد أو هذا الحي من إخوانه المسلمين ... إلخ.

لقد شرع الله تعالى الاجتماع للصلوات في كل يوم، فيجتمع أهل الحي في مسجد واحد، وشرع أيضا الاجتماع الأسبوعي، وهو اجتماعهم في المسجد الجامع لأهل القرية كلهم، وشرع الاجتماع السنوي لصلاة العيد لأهل البلد، وشرع الاجتماع العام في المواسم في مكة الذي يعم المسلمين كلهم، وكل هذه الاجتماعات فيها مصالح عظيمة.
وهنا نقول: أن الأصل منع التعدد للجمع، وأن أهل البلد يصلون في جامع واحد، وإذا كان ضيقا حرصوا على توسعته، وخاصة إذا زاد عددهم، حتى لا يتفرقوا، ففي عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- كانوا يجتمعون في المسجد النبوي، فيأتون من العوالي من مسيرة ساعة أو ساعتين، حتى يصلوا في المسجد النبوي، ولم يكن في عهده تعدد جوامع؛ والسبب أنه يحب أن أهل المدينة كلهم يصلون جماعة واحدة في مسجد واحد؛ ليحصل منهم التعارف والتآلف وما أشبه ذلك.
وهذا هو الأصل، ولذلك ذهب كثير من الأئمة إلى أنه إذا أقيمت جمعتان بطلت الثانية التي أقيمت بعد الأولى، أو منع إقامة الجمعة في المسجد المتجدد وصحت في المسجد القديم، ولهذا كان كثير من مشائخنا لا يركنون إلى الصلاة في الجوامع الجديد، وكان الشيخ عبد الله بن حميد -رحمه الله- لا يصلي إلا في المسجد الجامع الكبير، فيتخطى من منزله أكثر من أربعة جوامع يمر عليها، ويقول: لا تطيب نفسي إلا للصلاة في هذا؛ لأنه المسجد القديم الأول في هذه البلاد، وإذا قرأنا في كتب الفقهاء وجدناهم يشددون فيمنعون إقامة جمعتين في نفس البلد إلا عند الضرورة.

وفي هذه الأزمنة تساهلت اللجنة في الترخيص في كثير من المساجد وإقامة جمعة فيها مع قرب المساجد الأخرى عندها، ولكنهم لا يرخصون في إقامة جمعة من مسجد حتى يضيق المسجد الذي يليه بالمصلين، فإذا كان يضيق ولا يمكن توسعته رخصوا في المسجد الآخر، وأما إذا لم يكن ضيقا؛ بل فيه متسع فلا يرخصون.
من تلزمه صلاة الجمعة
من العلماء من يقول: تلزم من سمع النداء، ومنهم من يقول: تلزم من بينه وبين المسجد فرسخ، ومنهم من يقول: تلزم من يؤويه الليل إلى أهله.
فالقول الأول: لا تلزم إلا من سمع النداء، قالوا: إن النداء إذا كان في مرتفع، والأصوات هادئة، والمؤذن صيت رفيع الصوت، فإن صوته يبلغ فرسخا أو أكثر، والفرسخ ثلاثة أميال، والميل كيلوان إلا ربع، فيلزم من بينه وبين المسجد فرسخ أن يأتي إليه راجلا أو راكبا.
والقول الثاني: أنها تلزم من أواه الليل إلى أهله، ومعناه أن من صلى الجمعة وذهب إلى أهله راجلا ووصلهم قبل الليل فهو من أهل الجمعة، وهذا قد يستلزم أن الجمعة تلزم من بينه وبين المسجد مسيرة أربع ساعات أو نحوها؛ لأنه قد يقال: إن مسيرة أربع ساعات أو خمس ساعات في آخر النهار الطويل، فدل على أن السلف -رحمهم الله- كانوا يشددون في أمر الجمعة، فيلزمون البعيد الذي بينه وبين المسجد أربع ساعات أن يأتي على رجليه.
وفي هذه الأزمنة تساهل كثير بهذه الشعيرة، ونسمع أن الكثير يذهب إما يوم الجمعة أو الخميس سفرا، ثم ينزلون في طرف البلاد يبعدون ثلاثة كيلو أو أربعة كيلو، ومع هذا يصلون قصرا، ويتركون هذه الجمعة.
ولا شك أن هؤلاء يخاف عليهم أنهم يدخلون فيمن ترك الجمعة تهاونا؛ لأن عندهم سيارات، ويستطيعون أن يركبوها مسافة ربع أو نصف ساعة فتوصلهم إلى المساجد ويصلون الجمعة، ولا شك أن تركهم لها تهاون بهذه الشعيرة العظيمة.
عدد الذين تلزمهم صلاة الجمعة
اختلف العلماء في العدد الذي تنعقد به الجمعة على عدة أقوال:
القول الأول : أنه لا بد من أربعين: وقد ذهب إلى هذا القول كثر الفقهاء وذلك لأن الجمعة من الجمع، والعدد القليل لا يسمى جمعا أي اجتماعا، فإذا كان عددهم قليلا فإنهم يصلون ظهرا، واستدلوا بحديث كعب بن مالك فقد ذكر أن أول جمعة بالمدينة أقاموها كان عددهم أربعين، ومن ذلك اشتهر هذا القول؛ ولهذا رأى الفقهاء أنهم إذا لم يتموا أربعين صلوا ظهرا.
القول الثاني : أنها تصح باثني عشر: وقد ذهب إليه المالكية واستدلوا بأن في حديث جابر في قصة نزول قوله تعالى: وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا [الجمعة: 11] ذكر أنه قدمت عير تحمل طعاما، فلما سمعوا بها وهم بالمسجد خرجوا حتى لم يبق إلا اثنا عشر، لكنهم خرجوا ورجعوا، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ [الجمعة: 11] والحاصل أن هذا دليل على أنها تصح باثني عشر، ولكن قد يقال: إن الذين خرجوا ينظرون لم تفتهم الصلاة، فرجعوا.
القول الثالث : أنها تصح بسبعة وهو مروي عن بعض الفقهاء، وقد روي عن شيخ الإسلام وإن لم أره مصرحا في كتبه أنها تصح بثلاثة، ذكر ذلك صاحب الاختيارات، ونقل عنه صاحب الإنصاف أنها تصح بثلاثة: إمام ومؤذن ومستمع، وهذا لعله خاص بما إذا كانوا بعيدين عن البلاد الأخرى، وكانوا أيضا مستقرين، أي: ثابتين في أقرب مسجد منهم يبعد مثلا نصف يوم، فيرخص لهم في هذه الحال، ومع ذلك فالأولى العمل بالعدد الكثير.