اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به)
إبهاج المؤمنين بشرح منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين (الجزء الأول)
143748 مشاهدة
العدد الذي تجزئ عنه الأضحية

وقال جابر: نحرنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- عام الحديبية البدنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة رواه مسلم .


قوله: (وقال جابر: نحرنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- عام الحديبية البدنة عن سبعة إلخ):
وذلك لأن المشركين لما صدوهم عن البيت ولم يكملوا عمرتهم كان عليهم هدي؛ لقوله تعالى: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة: 196] فاشتروا أو نحروا ما معهم من الهدي، فنحروا سبعين بدنة، البدنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة وإن كانت البدنة أغلى ثمنا، ولكن البقرة قريبة منها لأنها ذات لحم أكثر.
وأما الشاة الواحدة من الغنم فإنها تذبح عن واحد، ولكن ثبت في حديث جابر وغيره أنهم كانوا يذبحون الشاة عن الرجل وعن أهل بيته، فتجزئ الشاة عنه وعن أهل بيته، ولو كانوا كثيرا، وهذا في الأضاحي.
مسألة: الذبح عن الأموات:
فقد كثر الكلام في الذبح عن الأموات، فالأضحية عن الميت، هل هي مشروعة أم غير مشروعة؟
الأصل والأحاديث والآثار أنها عن الرجل وعن أهل بيته، ولكن لما كانت صدقة وكان الميت يصله أجر الصدقة وصل إليه أجر الأضحية، ولما ورد فيها أن بكل شعرة حسنة وأنه يأتي بقرونها وبأظلافها وأنه يسن استحسانها واستسمانها كان فعلها عن الميت صدقة فيصل إليه أجرها؛ ولأجل ذلك كان كثير من الناس يجعلون في وصاياهم أضاحي، فإذا أوصى قال: اذبحوا لي أضحية عني وعن أبوي- مثلا- أو أضحيتين أو نحو ذلك، كان ذلك مشروعا.
وقد ذكر ذلك الفقهاء، فذكره شيخ الإسلام في بعض كتبه، وذكره صاحب كشاف القناع، وهو أوسع المراجع لكتب الحنابلة، وكذلك شرح المنتهى، فانتشر وكثر، مع أن الأفضل أن الإنسان يضحي عن نفسه وعن أهل بيته، وكونه يخص الأضحية عن والديه جائز، ولكن هو وأهل بيته أولى أن يضحي عنهم، وله أن يشرك أبويه أو غيرهما، فيقول: هذه أضيحة عني وعن أهل بيتي، أو هذه أضحية عن والدي أو أرحامي من الأموات أو نحو ذلك.
وقد كثر الخوض في هذه المسألة وألف فيها ابن محمود رسالة أنكر فيها على الذين يضحون عن الأموات وينسون أنفسهم، وكأنه يميل إلى عدم مشروعيتها عن الميت، ثم رد عليه المشائخ، فرد عليه شيخنا الشيخ عبد الله بن حميد- رحمه الله- برسالته المطبوعة: غاية المقصود في التنبيه على أوهام ابن محمود، ورد عليه أيضا زميلنا الشيخ علي بن حواس- رحمه الله- ورد عليه ردودا مختصرة الشيخ إسماعيل الأنصاري، والشيخ عبد العزيز بن الرشيد، وتعقب ابن الرشيد وتعقب الأنصاري، وذلك تكلف، ولكن يخشى على الناس من الاعتناء بالأضحية عن الأموات وترك الأحياء، فنقول: إن ذلك ليس بسنة إلا إذا كانت وصية؛ لأن الوصايا لا بد من تنفيذها.