تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه
شفاء العليل شرح منار السبيل
201223 مشاهدة
أكل لحم الإبل ولو نيئا

قوله: [السابع: أكل لحم الإبل ولو نيئا] لحديث جابر بن سمرة أن رجلا سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئت توضأ، وإن شئت لا تتوضأ، قال: أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم توضأ من لحوم الإبل رواه مسلم .
[فلا نقض ببقية أجزائها، ككبد، وقلب، وطحال، وكرشي، وشحم، وكلية، ولسان، ورأس، وسنام، وكوارع، ومصران، ومرقي لحم، ولا يحنث بذلك من حلف لا يأكل لحما] لأنه ليس بلحم، وعنه ينقض؛ لأن اللحم يعبر عن جملة الحيوان، كلحم الخنزير قاله في الشرق .


الشرح: النقض بلحم الإبل ورد فيه حديثان صحيحان: حديث جابر وحديث البراء فلا مجال لأحد في ترك العمل بهما، فقد صححهما جمع من الأئمة، ورواهما أهل الصحيح، وقد قال بهذا الحكم- وهو نقض الوضوء بأكل لحم الإبل - الإمام أحمد .
أما الشافعية فقالوا بأن هذين الحديثين كانا في أول الأمر، وذلك عندما أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالوضوء من ما مست النار، أي من كل شيء قد طبخ بالنار، ثم كان أخر الأمرين من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ترك الوضوء من ما مست النار وقد ثبتت أحاديث كثيرة تبين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أكل من كتف شاة ولم يتوضأ فدل هذا على أن الأمر بالوضوء من ما مست النار منسوخ، مع أن الأحاديث فيه كثيرة عن الصحابة.
قالت الشافعية: فهذان الحديثان- حديث جابر و البراء - منسوخان أيضا؛ لأن لحم الإبل كغيره مما مست النار، فهو لا ينقض الوضوء.
لكن الإمام أحمد بين أن هذا الحديث فيه التفريق بين لحم الإبل ولحم الغنم، وكلاهما قد موته النار، فلو كانت العلة هي مسن النار لما فرق بين الإبل والغنم، والعادة أن لحم الإبل يطبخ كما يطبخ لحم الغنم، فكيف خص هذا دون هذا؟ فالعلة إذن هي كونه من الإبل لا كونه مطبوخا؛ ولهذا قال المؤلف بأنه ينقض ولو أكله الإنسان نيئا، أي غير مطبوخ، ولم تمسه النار.
فالصحيح إذن أن لحم الإبل خاصة ينقض الوضوء دون سائر ما مسته النار، كلحم الغنم، ولحم البقر، والصيد، وغيره.
وقد اختلفوا في علة ذلك: فقيل بأنها لقوة التغذية فيه ولكن هذه العلة ليست بكافية.
وقيل: لأن الإبل تورث الخيلاء، والافتخار، وقد ورد في حديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: إن الفضاضة وغلظ الطبع في الفدادين أصحاب الإبل، وإن السكينة في أهل الغنم فدل هذا على أن الإبل تورث الخيلاء، والكبرياء، والافتخار، فلذلك أمر بالوضوء من أكل لحمها، كما نهي عن الصلاة في مباركها دون مبارك الغنم، مع كون الجميع طاهرا.
وقد ورد في عدة أحاديث أن على ذروة كل بعير شيطان وأنها جن خلقت من جن .
بقي بحث آخر: وهو: هل النقض خاص بلحم الإبل دون غيره من أجزائها مما ليس بلحم، أم أنه عام في ذلك كله؟
اختار الفقهاء أن النقض خاصة باللحم الأحمر فقط، كلحم الفخذين، والظهر، وما أشبهه، أما بقية أجزائها كاللسان، والأمعاء، والمشافر، ونحوها، فإنها لا تنقض الوضوء، وهكذا الكرش، والكبد، والقلب، والرئة، والطحال، والسنام؛ لأن هذا كله ليس بلحم.
والقائلون بهذا تمسكوا بالظاهر من كلمة (لحم) فقصروا النقض على ما يسمى لحما، ولكن هذا التمسك قصور منهم، وذلك لأن اللحم يطلق على جميع الأجزاء، ولعل هذا هو الراجح، وهو أن جميع أجزاء الإبل التي تؤكل تنقض الوضوء، ولو شحما.
أما الذي يشرب ولا يؤكل، كالمرق، والدهن، فإنه لا ينقض.
وهذا كالخنزير، فإن الأمة متفقة على أن جميع أجزائه نجسة، وأنه حرام، حتى جلده، وروثه، وجميع ما ينفصل عنه، ولم يقولوا بأن شحمه، أو كبده حلالا لأن النص كان على اللحم.
فلما كان النص عاما لأجزاء الخنزير فكذلك لحم الإبل يعم جميع ما يؤكل من أجزائه .