شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية.    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير
شفاء العليل شرح منار السبيل
201237 مشاهدة
استعمال الماء الطاهر ولو كان قليلا في رفع حدث

قوله: [ومن الطاهر ما كان قليلا واستعمل في رفع حدث] لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- صب على جابر من وضوئه رواه البخاري . وفي حديث صلح الحديبية: وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه ويعفى عن يسيره. وهو ظاهر حال النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه؛ لأنهم يتوضئون من الأقداح.


الشرح: أي ومن الماء الطاهر ما رفع بقليله حدث مكلف وهو (البالغ العاقل)، أو رفع به حدث صغير يصح الوضوء منه (وهو المميز) فإن هذا الماء يصبح طاهرا لا مطهرا، وعللوا بأن هذا الماء قد استعمل في طهارة فلا يستعمل فيها مرة أخرى، كالعبد إذا أعتق، فلا يعتق مرة أخرى، وهذا التعليل ضعيف لوجوه:
الأول: لوجود الفرق بين الأصل والفرع، فالرقيق لما حررناه لم يبق رقيقة بل أصبح حرا، أما هذا الماء فبقي بعد استعماله ماء لم يتغير فيه شيء.
الثاني: أن الرقيق يمكن أن يعود إلى رقه فيما لو هرب إلى الكفار ثم استولينا عليه فيما بعد، فإن لنا أن نسترقه، بخلاف الماء المستعمل في رفع الحدث- على قولهم-.
فالصواب أن هذا الماء طهور لا طاهر لقوله -صلى الله عليه وسلم- إن الماء لا يجنب وقد صب عليه السلام من وضوئه على جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- وكان -صلى الله عليه وسلم- إذا توضأ يقتتلون على وضوئه، ولأن هذا الماء قد لاقى أعضاء طاهرة فلم تسلبه الطهورية أشبه ما لو تبرد به، فالأصل بقاء الطهورية، ولا يمكن العدول عن هذا الأصل إلا بدليل شرعي يكون وجيها، ومع ذلك فإنه يكره الوضوء به مرة أخرى، وذلك لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يتوضأ دائما ولا يحتفظ بغسالة أعضائه في الوضوء، ولا في الغسل، ويقر الصحابة على إضاعة هذا الماء الذي يغسلون به أعضاءهم، ويتركونه ينصب على الأرض، ولو كان مما يستفاد منه في الطهارة لم يتركوه تشربه الأرض، بل كان يأمرهم بالاحتفاظ به، سيما وقد نهاهم عن الإسراف في الماء، وعن الزيادة على ثلاث غسلات، فدل على أن غسالة الأعضاء لا تستعمل مرة أخرى.