قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية.
شفاء العليل شرح منار السبيل
201414 مشاهدة
ماء يرفع حدث الأنثى

قوله : [ وماء يرفع حدث الأنثى لا الرجل البالغ والخنثى ، وهو ما خلت به المرأة المكلفة لطهارة كاملة عن حدث] لحديث الحكم بن عمرو الغفاري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى أن يتوضأ الرجل بفَضْل طهور المرأة رواه الخمسة . وقال أحمد: جماعة كرهوه. وخصصناه بالخلوة، لقول عبد الله بن سرجس: توضأ أنت هاهنا وهي هاهنا، فأما إذا خلت به فلا تقربنه.


الشرح : ذكر المؤلف هنا نوعا من الماء الطهور (وهو ما خلت به المرأة المكلفة لطهارة كاملة عن حدث) ، فقوله: (ما خلت) بحيث لا يحضرها أحد عند طهارتها، واستثنوا من ذلك الصبي والمرأة والكافر، فإنه لا تأثير لمشاهدتهم أو حضورهم.
وقوله: (المرأة) يُخرج الرجل، فإن الماء الذي يخلو به الرجل لطهارة كاملة عن حدث يبقى على طهوريته ويرتفع به الحدث.
وقوله: (المكلفة) يُخرج الصغيرة، فلو خلت الصغيرة بالماء لطهارة كاملة عن حدث لما أَثَّر ذلك في طهوريته -كما سبق-.
وقوله (لطهارة كاملة) أي من وضوء أو غسل، فلو خلت به أثناء الطهارة في أولها مثلا ثم حضرها أحد قبل أن تكمل طهارتها فإن هذا الماء يبقى على طهوريته ويرتفع به حدث الرجل؛ لأنها لم تخل به لطهارة كاملة، وهكذا لو حضرها أحد عند بدئها الطهارة ثم ذهب عنها، فإن هذا لا يسلبه الطهورية.
وقوله: (عن حدث) يخرج ما لو خلت به لتجديد وضوء، أو خلت به لتغسل نجاسة في ثوبها، فإنه حينئذ يرفع حدث الرجل؛ لأنها لم تخل به لطهارة كاملة عن حدث.
فالحاصل أنه إذا اجتمعت هذه الشروط وهي: (خلو المرأة المكلفة بالماء الطهور لطهارة كاملة عن حدث) فإن هذا الماء تسلب طهوريته فلا يرفع حدث الرجل؛ ولهذا ذكر بعض الفقهاء أنه إذا لم يجد غيره أنه يستعمله ثم يتيمم بعده وجوبا؛ لأن حدثه لم يرتفع لكون الماء غير طهور.
وقد استدل الفقهاء على هذا الحكم السابق بما ذكره الشارح من الأدلة، كقول الحكم بن عمرو الغفاري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة .
وقد ذهب جماعة من العلماء إلى أن الماء السابق يبقى على طهوريته لقول ابن عباس -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يغتسل بفضل ميمونة رواه مسلم . وعنه أيضا أنه قال (اغتسل بعض أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- في جفنة فجاء النبي -صلى الله عليه وسلم- ليتوضأ منها أو يغتسل، فقالت: يا رسول الله إني كنت جنبا فقال: إن الماء لا يجنب رواه أحمد وأبو داود .
فهذه الأدلة تفيد جواز الوضوء أو الاغتسال بالماء الذي قد خلت به المرأة المكلفة لطهارة كاملة عن حدث، وأنه باق على طهوريته، وقد حكى النووي وغيره الإجماع على هذا، وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله- (زعم بعضهم أنة لا يرفع الحدث وولدوا عليه من المسائل ما يشغل الإنسان ويعذب الحيوان، وأكثر أهل العلم أنه مطهر رافع للحدث للأدلة القاطعة، وإنما نهي عنه نهي تنزيه وتأديب إذا قدر على غيره) .
فالحاصل أن النهي الوارد في الأحاديث التي ذكرها الشارح إنما هو للتنزيه لما سبق من الأدلة على جواز ذلك، فالمستحب أن يتوضأ الرجل بغير هذا الماء إذا تمكن من ذلك.
ومما يلفت الانتباه في هذه المسألة أن الفقهاء الذين ذهبوا إلى عدم جواز وضوء الرجل بفضل طهور المرأة لم يذهبوا إلى عكس هذا، وهو عدم جواز وضوء المرأة بفضل طهور الرجل مع أن الحديث قد جاء بالنهي عن الأمرين! كما في حديث نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن تغتسل المرأة بفضل الرجل أو الرجل بفضل المرأة بل إن وضوء الرجل بفضل طهور المرأة قد جاءت عدة أحاديث تقضي بجوازه- كما سبق- بخلاف وضوء المرأة بفضل طهور الرجل فالفقهاء قد وقعوا في خطأين:
أولا: أنهم لم يجيزوا استعمال الماء إذا خلت به المرأة بالشروط
السابقة، وهذا خلاف القول الصحيح.
وثانيا: أنهم لم يأخذوا بالحكم الآخر الوارد في الحديث، وهو النهي عن وضوء الرجل بفضل المرأة.
فالحاصل أن النهي في الأحاديث السابقة ليس للتحريم وإنما هو لكراهة التنزيه، فلو تطهر الرجل بما خلت به المرأة أو العكس فإن الطهارة تكون صحيحة، ويرتفع الحدث بهذا الماء.