اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف
شرح مقدمة التفسير لابن تيمية
87466 مشاهدة
الوجه الثاني: تفسير لا يعذر أحد بجهله

يقول: وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وهو معرفة الأحكام الحلال والحرام، لا يجوز لأحد أن يتجاهله، وأن يبقى جاهلا به؛ فإن الحلال لا بد من فعله فالأوامر، كقوله تعالى: وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وقوله: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ وقوله: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ وما أشبه ذلك لا يعذر أحد بجهالته.
وكذلك المحرمات لا بد أن يتعلمها المسلم حتى يتجنبها، مثل قوله تعالى: لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ ومثل قوله تعالى: وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَى وأشباه ذلك، لا يعذر أحد بجهله، كل المسلمين يؤمرون بأن يعرفوه حتى لا يقعوا فيه، والذي يبقى على جهل يعتبر مفرطا، فالحاصل أن التفسير الذي لا يعذر أحد بجهله هو معرفة الأحكام التي يجب على المسلم العمل بها.