لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه
شرح مقدمة التفسير لابن تيمية
87440 مشاهدة
أمثلة من التأويلات الباطلة

يقول: مثاله ما يقع. وهذا كما أنه وقع في تفسير القرآن فقد وقع أيضا في تفسيرهم للأحاديث، حيث حملوها على محامل بعيدة، فالذين أخطأوا في الدليل والمدلول مثل طوائف من أهل البدع اعتقدوا مذهبا يخالف الحق الذي عليه الأمة الوسط وهم أهل السنة والجماعة. اعتقدوا مذاهب تخالف مذهب أهل الحق؛ الأمة الوسط الذين لا يجتمعون على ضلالة كسلف الأمة وأئمتها، وعمدوا إلى القرآن فتأولوه على آرائهم. تركوا الحق الذي عليه السلف، ولما اعتقدوا عقائد منحرفة تأولوا القرآن على آرائهم وعلى أهوائهم، تارة يستدلون بالآيات على مذهبهم ولا دلالة فيها.
ومن التفاسير التي أشرنا إليها سابقا تفسير مطبوع باسم متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار الذي يأتينا ذكره قريبا. هذا التفسير حققه أحد العلماء الذين يتسمون بالعلم في سوريا واسمه عدنان زرزور وملأه بالزور. فمثال ذلك أنه إذا جاء إلى آية فيها إثبات الصفات سلط عليها التأويل، وإذا جاء إلى آية يظهر فيها استدلالهم.
يقول: لنا قول الله تعالى؛ فيذكر ما يستدلون به، كقوله تعالى في سورة الأنعام: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ فإنه حمل الإدراك على الرؤية؛ لأنهم يعتقدون أن الله لا يرى، والإدراك عند العرب غير الرؤية، وهو شيء زائد عليها؛ لقوله تعالى: فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ يعني: محاط بنا، فـ قَالَ كَلَّا فدل على أن هناك رؤية وهناك إدراك.
ولكن المعتزلة لما كانوا يعتقدون عقائد حملوا الآيات ما لا تحتمله ؛ لتدل على معتقدهم. يقول: وتارة يتأولون ما يخالف مذهبهم بما يحرفون به الكلم عن مواضعه يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ كل آية تخالف معتقدهم يسلطون عليها التأويلات؛ مثل قوله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ يعني رأيت لبعضهم قولا: إن إِلَى رَبِّهَا يعني نعمة ربهم فجعلوا إلى اسما لا حرفا نعمة ربهم، وهذا تأويل بعيد عما يقتضيه سياق الآية، كل ذلك ليخرجوا عن دلالة الآية على إثبات الرؤية.
وتأويلهم وكذلك تأويل الأشاعرة لآيات المجيء وَجَاءَ رَبُّكَ أي: جاء أمره، وأشباه ذلك. يتأولون ما يخالف مذهبهم بما يحرفون به الكلم عن مواضعه. مَثَّلَ به ركب الخوارج والروافض والجهمية والمعتزلة والقدرية والمرجئة، فيقول ابن عباس في الخوارج: إنهم نظروا إلى آيات نزلت في الكفار فحملوها على المؤمنين؛ وهذا أيضا من التحريف. فمثلا اعتقادهم أن المعاصي يخلد بها في النار، فيستدلون بمثل قوله تعالى: يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا هذا في الكفار المشركين، وأما العصاة إذا دخلوا النار فإنهم يخرجون منها كما ورد ذلك في السنة.
ويستدلون بقوله تعالى: كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وهذا في الكفار، وأشباه ذلك فهؤلاء يحرفون الكلم عن مواضعه.
وكذلك الروافض ويأتينا لهم تأويلات عجيبة، وكذلك الجهمية أتباع الجهم وهو اعتقد ثلاث عقائد من البدع: اعتقد التعطيل واعتقد الجبر واعتقد الإرجاء. فهو يقول بالإرجاء يعني تغليب جانب الرجاء، ويقول بالجبر إن العباد مجبورون على أعمالهم ليس لهم اختيار، ويقول بالتعطيل أي أن الله تعالى ليس له صفات، فيعطل الله تعالى عن صفات الكمال، وتفرق مذهبه في هذه المذاهب وأكثره في المعتزلة. المعتزلة هم الذين انتشر مذهبهم ويأتينا أصولهم. والقدرية أيضا يغلب أنهم أيضا من المعتزلة، أكثر ما يطلق قدرية على المعتزلة الذين ينكرون قدرة الله على أفعال العباد.
ويدخل في القدرية الغلاة الذين يحتجون بالقدر على المعاصي، فإنهم أيضا قدرية؛ يعني القدرية قسمان: قدرية النفاة وقدرية المجبرة.
والمرجئة الذين يغلبون جانب الرجاء، فيتأولون الآيات التي في الوعيد؛ لأن من عقيدتهم أن أهل المعاصي لا يدخلون النار؛ ولو عملوا ما عملوا، ويقولون: لا يضر مع الإيمان ذنب، كما لا ينفع مع الشرك عمل. هذا معتقدهم، وقياسهم قياس فاسد، بل المعاصي تضر، ولو قيل ذلك لرخص للناس في فعل المعاصي والمحرمات، مع ما ورد فيها من الوعيد.
ثم مَثَّل يقول: كالمعتزلة مثلا، فإنهم من أعظم الناس كلاما وجدالا يعني انتشرت مؤلفاتهم وكثر جدالهم، ويحصل الجدال الكثير بينهم وبين الأشاعرة، والأشاعرة يدعي من يعتقد معتقدهم أنهم أهل السنة مع المخالفة لهم، يعني بينهم وبين مذهب السلف مخالفات كثيرة، ومع ذلك فإن بينهم وبين الأشاعرة جدالا وخصومات ومنازعات.
يقول: وقد صنفوا التفاسير على أصول مذهبهم، يعني صنفوا على أصول مذهبهم تفاسير، وكذلك مؤلفات؛ مثل تفسير عبد الرحمن بن كيسان الأصم شيخ إبراهيم بن إسماعيل بن علية الذي كان يناظر الشافعي فهذا عبد الرحمن بن كيسان كان شيخا لإبراهيم إبراهيم هذا أبوه العالم المشهور إسماعيل ابن علية من الحفظة ومن علماء السلف، يروي عنه أهل الصحيحين كثيرا. أما إبراهيم ابنه فيمكن أنه تأثر بشيخه، الذي هو هذا الأصم والذي كان يناظر الشافعي يعني مناظرات جدلية.
ومثل أبي علي الجبائي وهو من رءوس المعتزلة، وكذلك ابنه أبو هاشم الجبائي من رءوس المعتزلة ومشاهيرهم. ومثل التفسير الكبير للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمداني وهو شيخ مذهبهم. الهمداني هذا له مؤلفات كبيرة وكثيرة، وأشهرها كتابه الذي سماه المغني، طبع محققا في سوريا في أربعة عشر مجلدا في معتقد المعتزلة وفي تأويلاتهم للأدلة وفي نصر عقائدهم.
ولعبد الجبار هذا الكتاب الذي أشرنا إليه قريبا والذي سماه متشابه القرآن والذي حققه زرزور في مجلدين، وله أيضا كتابه الذي سماه الأصول الخمسة التي هي أصول المعتزلة، وله مؤلفات كثيرة. فهو الذي ألف لهم ومكن لهم. ومن المعتزلة أيضا أبو الحسين البصري عالم من علماء النحو، ولكنه من المتأثرين بهؤلاء فله أقوال في نصر المذهب الاعتزالي، وله تأويلات أيضا ومجادلات أبو الحسين البصري .
وكذلك التفسير المشهور أيضا لعلي بن عيسى الرماني ولا أذكر أنه موجود، والتفسير الذي لأبي القاسم الزمخشري وهو أشهرها والذي يسمى الكشاف عن تأويل القرآن. وهذا الزمخشري من مشاهير علماء المعتزلة، لغوي فصيح جدلي عارف بمفردات اللغة، وله كتب في اللغة مشهورة. وأشهر كتبه هذا الكشاف، وقد ذكر فيه تأويلات كثيرة تتعلق بمذهبه. يدخل مذهبه الذي هو الاعتزال في هذا التفسير إدخالا خفيا، حتى قال بعضهم: أخرجت الاعتزال من الكشاف بالمناقيش، يعني لا يخرج إلا بأشياء خفية، استنبطوا منه ما يدل على معتقده بإشارات خفية.
حتى لما ذكر قول الله تعالى: فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ قال: ولا فوز أكبر من دخول الجنة، ظاهر هذا أنه كلام لا بأس به ولكن يريد بذلك نفي صفة الرؤية، أن الله تعالى لا يرى؛ لأن الرؤية في الجنة أعظم نعيمهم، فكأنه يقول: هذا منتهى الفوز، منتهى الفوز دخول الجنة، لا فوز غير ذلك فيستنبط منه هذا الاستنباط الخفي.
وكذلك كثير من الآيات يحملها ما لا تحتمل سيما على مذهبهم من إسناد الأفعال إلى العباد وعدم قدرة الله تعالى عليها.
وقد رد عليه صاحب الانتصاف، كتاب معلق عليه سماه الانتصاف من الكشاف، وهو لم يستوف ما يُنتقَد عليه إلا في مذهب القَدَر وفي مذهبه بعض الكلمات، فصاحب الانتصاف أشعري، فلأجل ذلك لم ينتقده بالصفات التي اتفق مذهب الأشاعرة ومذهب المعتزلة على ما فيها فيقره على تفسير قوله: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ أي: أمر الله، ويقره على تفسير المحبة وصرفها عن ظاهرها، كقولهم: وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ أي لا يريده، يستدلون بذلك على أن الله تعالى لا يخلق أفعال العباد ويفسرون المحبة بالإرادة وهو تفسير بعيد، وأشباه ذلك.