إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة)
شرح مقدمة التفسير لابن تيمية
87442 مشاهدة
تلقي الصحابة تفسير القرآن عن النبي صلى الله عليه وسلم

استدل بكلام أبي عبد الرحمن السلمي أبو عبد الرحمن هو القارئ المشهور. تجدونه مذكورا في المصاحف. في آخر كل مصحف، يقولون طبع هذا المصحف على ما يوافق رواية حفص بن سليمان الكوفي عن عاصم بن أبي النجود عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن حبيب السلمي أحد التابعين المشهورين. يقول: حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن عد منهم عثمان وكان من حملة القرآن.
كان عثمان رضي الله عنه يختم القرآن كل ليلة. يعني يبدأ في أول الليل، ويختم في آخره في ركعة واحدة. مما يدل على أن الله سهل عليه القرآن حتى لا يصعب عليه. يقول بعض التابعين: إني صابرت عثمان ليلة وهو قائم يصلي فكان يستمر في القراءة، ثم يسجد، ثم يقوم، ويستمر في القيام ثم يسجد . وإذا هي سجدات القرآن لا يقطع قيامه إلا بسجدات القرآن.
عبد الله بن مسعود كان أيضا من الحفظة. الحفظة للقرآن. يقول: ما نزلت آية إلا وأنا أعلم أين نزلت وفيم نزلت، ولو أعلم أحدا أعلم مني بالقرآن تصله الإبل لرحلت إليه. وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: خذوا القرآن عن أربعة عن ابن أم عبد فبدأ به وهو ابن مسعود إلى آخره.
يقول: إنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات لم يتجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها . لا يتعلمون عشر آيات حفظا إلا وتعلموا معانيها وما فيها. كيف تطبق؟ كيف يكون تطبيقها؟ قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعا. القرآن يعني لفظه، والعلم يعني تعلم معانيه، والعمل يعني التطبيق. ولهذا كانوا يبقون مدة في حفظ السورة. يعني من اهتمامهم به أنهم يتعلمون ألفاظه، ومعانيه، والعلم، والعمل به، فيبقون مدة طويلة في حفظ السورة، ولأنهم كانوا يتعلمونه حفظا.
في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ما كانت المصاحف موجودة، إنما يمليه عليهم إملاء. فبعضهم يكتب السورة أو الآيات في صحيفة. وربما لا يجدون إلا أن يكتبها في عظام أو نحوها. ثم بعد ذلك يكررها حتى يحفظها من ذلك اللوح أو من تلك الصحيفة ثم يكتب مكانها وهكذا.
يقول أنس رضي الله عنه: كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جل في أعيننا. يعني عظم قدره إذا حفظ هاتين السورتين، وهما نحو أربعة أجزاء إلا ربع. قدره يعني مكانته. وذلك لأن في سورة البقرة أكثر الأحكام: فيها ذكر الحج، وفيها ذكر الصيام، والنفقات، وذكر الطلاق، والرجعة، وذكر الرضاع، وذكر النفقات، وما أشبه ذلك. وكذلك آل عمران أيضا فيها كثير من القصص، ومن الأحكام.
يقول: أقام ابن عمر في حفظ سورة البقرة عدة سنين قيل ثماني سنين يعني في حفظها حفظا قويا، وكذلك أيضا في تطبيقها، والعمل بها. أقام هذه المدة يكررها في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا شك أيضا أنه يقرأ معها غيرها، يقرأ معها غيرها من السور ولكنه لم يتجاوزها حتى أتقنها في هذه المدة.
يقول: وذلك أن الله تعالى قال: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ التدبر التعقل. وقال: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وقال: أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ وقال: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا .
كيف يكون التدبر؟ لا يكون التدبر بدون فهم المعاني . تدبر القرآن بدون فهم لا يحصل ولا يمكن . فالتدبر هو تعلم ألفاظه، وتعلم معانيه. قال تعالى: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ أي تتعقلونه، وتفهمون معانيه .عقل الكلام يتضمن فهمه. العقل الحقيقي هو الذي يتضمن فهم معانيه.
من المعلوم أن كل كلام فالمقصود منه فهم معانيه دون مجرد ألفاظه . وسمعت بعض مشائخنا يقول: إن حفظ الكلام بدون فهم لمعانيه كالجسد الميت، يعني كما لو حملت جسدا ميتا ليس فيه روح. لو حملت مثلا سحلة ميتة، حملتها على منكبك تعبت، ثم لو حملتها على المنكب الثاني قليلا ثم تتعب وترمي بها بخلاف ما إذا فهمت معناه، فإنه كالجسد الحي الذي يمشي معك،ويعينك ويكلمك. فهو معك لا تحمل منه هما هذا مثال.
ولا شك أن فهمه فهم المعاني يفيد العمل به. فإن الذي لا يفهمه كيف يمكن أن يعرف معانيه؟ فإذا كان هذا في مطلق أي كتاب فالقرآن أولى بذلك.
والعادة تمنع أن يقرأ قوم كتابا في فن من العلم كالطب، والحساب، ولا يستشرحونه، وهذا أمر معتاد. لو أن طبيبا مثلا أعطي كتابا يتعلق بالطب ثم لم يفهمه ولم يدر ما محتواه، فإنه لا بد أن يذهب إلى طبيب أعلم منه،ويطلب منه إيضاح هذا الكتاب، وشرحه له. يقول: اشرحه لي حتى أفهم ما هذا العلاج؟ وما هذا المسمى وهذا الدواء؟ وكيف يستعمل؟ وما أشبه ذلك.
وكذلك كتاب مثلا في الحساب الذي لا يعرفه لا يستفيد منه حتى يذهب إلى من هو أعلم منه فيطلب منه كيف يحمل هذا الكتاب وأنا لا أستفيد منه ولا أدري ما معناه. يطلب منه أن يشرحه. كلام الله لا بد أن يكون أولى بالاهتمام فإنه عصمتهم وعصمة المسلمين قال تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا أي تمسكوا به. وبه نجاتهم وسعادتهم. يعني نجاتهم من العذاب،وسعادتهم في دنياهم وفي أخراهم. وبه قيام دينهم ودنياهم، يعني أمورهم التي يقومون بها في هذه الحياة للدين والدنيا، فهمها ومعرفتها يتوقف على معرفة آيات الكتاب.
ذكر النزاع بين الصحابة رضي الله عنهم في تفسير القرآن قليل جدا . يعني لعل السبب أنهم فهموا معانيه بمجرد نزوله؛ وذلك لأنهم قوم فصحاء. فلم يكونوا يختلفون فيه، لم يكونوا يختلفون في آيات القرآن إلا قليلا. وهو في التابعين أكثر منه في الصحابة وذلك لأن في التابعين كثيرا من غير العرب يعني من الموالي دخلوا في الإسلام، وعتقوا، وتولوا التفسير بالنقل. يعني مثلا كريب وعكرمة ومجاهد وعطاء بن أبي رباح .
هؤلاء من التابعين وهم من الموالي مَنَّ الله عليهم بالعلم فكانوا علماء مع أنهم ليسوا أصلا من العرب. ويقول: وإن كان في التابعين أكثر منه في الصحابة فهو أيضا قليل في التابعين بالنسبة إلى من بعدهم، بالنسبة إلى تابعي التابعين، ومن بعدهم. كلما كان العصر أشرف كان الاجتماع، والاختلاف، والعلم، والبيان فيه أكثر. فعصر الصحابة أشرف فاجتماعهم، واختلافهم أكثر، وعلمهم وبيانهم فيه أكثر.