الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك
شرح مقدمة التفسير لابن تيمية
87511 مشاهدة
حكاية الخلاف عن علماء بني إسرائيل

ولكن نقل الخلاف عنهم في ذلك جائز. يعني يجوز نقل الخلاف؛ قال فلان: كذا، وقال فلان: كذا، وسواء كان خلافا للسلف أو عن الإسرائيليات، يجوز نقل الخلاف عنهم؛ لأن الله تعالى نقل بعض الخلاف قال تعالى: سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا فذكر الله تعالى هذا الخلاف.
واشتملت هذه الآية الكريمة على الأدب في هذا المقام؛ يعني: وهي قوله تعالى: قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ وقوله: فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا ؛ أي: لا تستفت وتطلب فتوى، وكل الأمر إلى الله، وقل: الله أعلم، عدتهم يعلمها الله ولا يعلمها إلا قليل، وفيها تعليل ما ينبغي في مثل هذا، فإنه تعالى أخبر عنهم بثلاثة أقوال ضعف القولين الأولين الذين قالوا: ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ والذين قالوا: خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رفع فنفى ذلك بقوله: رَجْمًا بِالْغَيْبِ وسكت عن الثالث فدل على صحته.
هكذا قال بعضهم: إنه لما لم يضعف الثالث أنهم سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ ؛ دل على أنه القول الصحيح؛ إذ لو كان باطلا لرده؛ كما رد القولين قبله. وآخرون قالوا: إن قوله: قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ؛ دليل على أنهم لا يعلم عدتهم إلا الله. وليس هذا العدد مطابقا؛ يعني أنهم سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ .
أرشد الله إلى أن الاطلاع على عدتهم لا طائل تحته، فيقال في مثل هذا: قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ فإنه ما يعلم بذلك إلا قليل من الناس؛ هم الذين أطلعهم الله عليه فلهذا قال: فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ ؛ أي لا تجادل فيهم إلا مراء ظاهرا أي مما ظهر لك، لا تجهد نفسك بما لا طائل تحته، ولا تسألهم عن ذلك؛ فإنهم لا يعلمون من ذلك إلا رجم الغيب، فلا تتطاول معهم.