إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا
شرح مقدمة التفسير لابن تيمية
83890 مشاهدة
متى يقبل الحديث ومتى يقبل التفسير والمغازي

وهذا الأصل ينبغي أن يعرف فإنه أصل نافع في الجزم بكثير من المنقولات في الحديث والتفسير والمغازي ، يعني: أن يعرف متى يقبل الحديث ومتى يقبل التفسير والمغازي، فيقال: إذا جاءت من طرق متعددة، وما ينقل من أقوال الناس ومن أفعالهم، متى تقبل إذا جاءت من طرق متعددة، وعلم أن أحد الطريقين غير الطريق الآخر، وأن هذا ما أخذ من هذا، ثم يقول: ولهذا إذا روي الحديث الذي يتأتى فيه ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم بوجهين، يعني رواه اثنان من الصحابة أو ثلاثة وروي كل حديث من طرق، مع العلم بأن أحدهما ما أخذه عن الآخر جزم بأنه حق، يحدث هذا كثيرا.
فمثلا قصة المرأة التي حبست هرة رواها ثلاثة من الصحابة كل منهم في جهة، فعلم بأن النبي صلى الله عليه وسلم حدث بها يقينا؛ لأن كل واحد من الصحابة ما أخذها عن الآخر.
وكذلك قصص كثيرة إذا علم أن نَقَلَتَهُ ليسوا ممن يتعمدون الكذب وإنما يؤخذ على أحدهم النسيان والغلط، فإن من عرف الصحابة كابن مسعود وأبي بن كعب وابن عمر وجابر وأبي سعيد وأبي هريرة وغيرهم، علم يقينا أن الواحد من هؤلاء لا يتعمد الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم وقد سمعوه يقول: من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار فضلا عمن هو فوقهم كالخلفاء الراشدين، كما يعلم الرجل من حال من جربه وخبره خبرة باطنة طويلة أنه ممن لا يسرق أموال الناس، ولا ممن يقطع الطريق ولا ممن يشهد بالزور، أنت إذا صحبت إنسانا وعلمت صدقه وورعه وعرفت ثقته، وعدالته وأمانته، وطلب منك أن تزكيه عند القاضي فإنك تزكيه بطول المعرفة، فتقول: خبرته وصحبته وجاورته وعاملته عدة سنين فأزكيه؛ لأني لا أعلم عليه إلا خيرا، فتشهد بأنه ليس ممن يتعمد الكذب ولا ممن يشهد الزور ولا ممن يسرق أموال الناس، فهذا بالنسبة إلى خبرتك وتجربتك.