جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. logo الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية.
shape
شرح مقدمة التفسير لابن تيمية
148834 مشاهدة print word pdf
line-top
تحريم كتمان العلم

كذلك يجب القول فيما سئل عنه مما يعلمه، يجب. هاهنا ذكر أنه يجب عليك أن تسكت إذا كنت لا تعلم معنى هذه الآية أو هذا الحديث، ويجب عليك أن تتكلم في الآية إذا كنت تعرف معناها وتعرف مدلولها، وإذا سكتَّ فإنك تكون آثما، واستدل بقول الله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ لَتُبَيِّنُنَّهُ تبينون معانيه وتبينون ألفاظه ولا تكتموا الناس ما أنزل الله، لا تكتموهم ألفاظه، ولا تكتموهم معانيه وأنتم تعلمون.
فقد فتح الله تعالى عليكم وعلمكم، فإذا كتمتم ذلك؛ فأنتم قد كتمتم العلم الذي أمر الله تعالى ببيانه، ومثل هذه الآية قول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مَا أَنزَلْنَا يكتمون ألفاظ ما أنزلنا، ويكتمون معاني ما أنزلنا من البينات والهدى أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فاشترط أنهم يبينون، ومثل ذلك أيضا قول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ الآية. فتوعدهم على أنهم يكتمون ما أنزل الله من الكتاب.
ثم استدل أيضا بالحديث المشهور: من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار وذكر أن هذا الحديث مروي عن طرق، وقد رواه ابن عبد البر وأطال في طرقه في أول كتاب العلم، جامع بيان العلم وفضله، وفيه وعيد شديد: من سئل عن علم سواء كان ذلك العلم من القرآن أو كان من السنة فإنه إذا كتمه فقد كتم الناس ما يجب عليه أن يبينه لهم، ومعنى ألجم؛ يعني ختم على فمه بلجام من نار ؛ يعني بلجام من وهج النار، أو من حديد النار، أو نحو ذلك.

line-bottom