إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. logo القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع.
shape
شرح مقدمة التفسير لابن تيمية
150469 مشاهدة print word pdf
line-top
حكم رواية الإسرائيليات وبيان من اشتهر بروايتها

وما لم يكن كذلك فكان مما يؤخذ عن أهل الكتاب كالمنقول عن كعب ووهب ومحمد بن إسحاق وغيرهم ممن يأخذ عن أهل الكتاب، فهذا لا يجوز تصديقه ولا تكذيبه إلا بحجة، وذلك أن كعب الأحبار يثق به كثير من السلف وينقلون عنه أخبارا غير صحيحة تسمى الإسرائيليات، وكذلك وهب بن منبه وهو أيضا عنده كتب من كتب بني إسرائيل وقد أكثر بعض المفسرين من النقل عنه، منهم ابن جرير نقل عنهما كثيرا في كثير من المواضع، وكذلك البغوي فتجدون في تفسير قوله تعالى: وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ روايات كثيرة، ابن كثير رحمه الله أعرض عنها وروى فيها حديثا مرفوعا، وحقق أنه أيضا ليس بمرفوع؛ لأنه رواه عن ابن عمر مولاه نافع وجعله مرفوعا إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- ورواه عنه ابنه سالم وجعله منقولا عن كعب ثم قال ابن كثير سالم أحفظ لحديث أبيه من نافع فتبين أن الحديث المرفوع لم يثبت.
كذلك أوردوا عند تفسير قوله تعالى: وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ حكايات كثيرة في صفة قتل جالوت وكيف قتله داود حكاية يشهد العقل الصريح بكذبها، وكذلك أوردوا في قصة أيوب في سورة الأنبياء في قوله وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ حكايات كثيرة يعلم أنها لا أصل لها، وكذلك أوردوا في قصة داود في قوله: إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ إلى آخر حكايات أيضا كثيرة كلها من الإسرائيليات، وأشباه ذلك كثير.
فمثل هذه الإسرائيليات التي عن كعب ووهب وكذلك عن محمد بن إسحاق صاحب السيرة، وكان أيضا عنده بعض الكتب التي نسخها من كتب بني إسرائيل، وغيره ممن يأخذون عن أهل الكتاب هذا لا يجوز تصديقه ولا تكذيبه إلا بحجة، واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم: إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم فإما أن يحدثوكم بحق فتكذبوه وإما أن يحدثوكم بباطل فتصدقوه فقولوا مثل ما قال الله قال تعالى: وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ هذا إيمان مجمل، آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مثل الإيمان المجمل في قوله تعالى: قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ إيمانا مجملا، ما كان فيه من حق فإنا نقبله وإن كان في غير شرعنا نؤمن به إيمانا مطلقا ويكفينا العمل بما في شرعنا، وكذلك ما نقل عن بعض التابعين وإن لم يذكر أنه أخذه عن أهل الكتاب، وكذلك من التابعين أيضا ينقلون عن أهل الكتاب ينقلون عن كعب وعن وهب وعن كتب أخذوها أيضا استنسخوها من كتب بني إسرائيل.

line-bottom