تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه
شرح كتاب بهجة قلوب الأبرار لابن السعدي
74821 مشاهدة
تفسير السلف للتقوى

...............................................................................


وقد فسرها بعض السلف, فسروا التقوى: أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله تخشى عقاب الله.
والصحيح أنها مشتقة من التوقي, التقوى يعني التوقي؛ وهو أن يجعل بينه وبين الشيء المحذور أو المخوف حاجزا ووقاية؛ تمنعه أن يصل إليه ضرر ذلك الشيء المخوف, ولذلك تطلق تقوى الله وتقوى عذابه، قال الله تعالى: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ اتقوا النار، فدل على أنها تتوقى أي توقوا النار.
اتقوا النار يعني توقوا النار, وإذا قيل اتقوا الله، كثيرا ما يقول الله: وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ اتقوا الله؛ يعني توقوا عذابه وتوقوا غضبه وتوقوا سخطه؛ وذلك بفعل الطاعات وترك المحرمات.
المتوقي هو الذي يتوقى الشرور ويحذرها؛ ولذلك يقول بعض الشعراء:
خـل الذنــوب صغـيرهـا
وكبــيرهـا ذاك التقـــى
وكـن كمـاشٍ فـوق أرض
الشـوك يحـذر مـا يـرى
لا تحــقـرن صـغــيرة
إن الجبـال مـن الحصــى
أنت إذا كنت حافيا والأرض التي تمشي فيها فيها شوك وفيها حصى وفيها حجارة محدبة، إذا أردت أن تمشي لا شك أنك ترفع رجلك ثم تنظر أين تضعها فيه لا تضعها إلا بعدما تتأكد أنك وضعتها بمكان ليس فيه ضرر، ليس فيه شوك ولا غيره, ترفع رجلك الثانية وتنظر ولا تمشي وأنت رافع بصرك:
وكـن كـماش فـوق أرض
الشـوك يحـذر مـا يـرى
فهذا حقيقة التقوى اتقوا النار يعني توقوها؛ ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم- اتقوا النار ولو بشق تمرة أي اجعلوها وقاية فمن لم يجد فبكلمة طيبة يعني تكون هذه وقاية وحاجزا تحميك وتحفظك من عذاب النار، هذا حقيقة التقوى اتقوا النار. وأما قوله تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ فالمراد اتقوا عذاب الله واحذروا أن تقعوا فيما يسخطه فيعذبكم، فإن الذي يتقي هو الذي يتوقى أسباب سخط الله تعالى. فالتقوى كلمة جامعة؛ ولأجل ذلك يوصى بها دائما، يقول الله تعالى: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى يعني التي هي صفة المتقين هي خير زاد للآخرة.
وأهل التقوى هم أهل الثواب الذين يؤهلهم الله تعالى للجزاء في الآخرة، هم أهل الجزاء الأخروي؛ ولذلك يذكر الله تعالى ثوابهم كثيرا ويذكر ثواب هذه التقوى.
من ذلك قول الله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ هذا ثواب التقوى أن من اتقى الله تعالى فإنه يجعل له مخرجا يجعل له فرجا ويجعل له مخرجا، إذا نزلت به الأزمات وحلت به الكربات وأحدقت به المصائب والمخوفات فاتقى الله تعالى تقوى حقيقة فإن الله يجعل له فرجا ومخرجا.
ورد في حديث قدسي أن الله تعالى يقول: وعزتي وجلالي لا يعتصم عبد من عبيدي بي أعرف ذلك من نيته فتكيده السماوات والأرض إلا جعلت له من بينهن فرجا ومخرجا, ولا يعتصم عبد من عبيدي بغيري أعرف ذلك من نيته إلا قطعت أسباب السماء من يده وأسخت الأرض من تحت قدميه ولا أبالي بأي واد هلك .