القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه
شرح كتاب بهجة قلوب الأبرار لابن السعدي
74870 مشاهدة
كل شيء عاجز عن أن يوجد نفسه

...............................................................................


وأما الذين لم يعترفوا بالخالق بل يدعون أن هذه الموجودات أوجدت نفسها، أن هؤلاء سلبوا عقولهم، فإنهم لو فكروا أدنى تفكير؛ لعلموا أن كل شيء من هذه المخلوقات عاجز عن أن يوجد نفسه أو يوجد غيره، بل لا يقدرون على أن يصوروا أدنى شيء من المخلوقات، لا يقدر المخلوقون ولو اجتمعوا على أن يخلقوا ذبابا ينفخ فيه الروح ويركب مفاصله ويركب فيه أعضاءه وأحشاءه وأمعاءه، فيطير كما يطير هذا الذباب المخلوق الذي خلقه الله تعالى، كما في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ أي لا يقدرون على خلقه، ولا يقدرون أيضا على خلق ذرة من هذه الذر التي خلقها الله تعالى، وجعل فيها هذه الروح التي تتحرك بها، وجعل فيها هذه الأعضاء وهذه الأمعاء في داخلها.
وكذلك لا يقدرون على أن يخلقوا بعوضة؛ هذه الناموسة التي لها طنين وتطير، ركب الله تعالى فيها أعضاءها ومفاصلها الداخلية، هل يستطيع الخلق كلهم أن ينفخوا فيها الروح إذا ماتت أن يحيوها ويعيدوا إليها حياتها؟ لا يقدرون، لا شك أن هذا كله دليل على أنهم مخلوقون وأن لهم خالقا.
ولذلك ورد في الحديث القدسي أن الله يقول: ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي فليخلقوا ذرة أو ليخلقوا برة أو ليخلقوا شعيرة أي لا يقدرون على أن يخلقوا ذرة مع صغر هذه الذرة وحقارتها، ولا يقدروا على خلق برة أي حبة من البر؛ بحيث تكون كالحبة الطبيعية بحيث أنها تزرع وتنبت ويكون لها سنبل، ويكون لها نبات، ويكون لها أغصان وأفنان، لا يقدرون أو شعيرة بأغلفتها وبطعمها تنبت إذا بذرت.
لا شك أن هذا كله دليل على أن لهذا الكون خالقا خلقه، وأوجده فيؤمن العباد برب العباد، ويسلموا له الأمر ويفوضوا أمرهم إليه؛ كما في قول الله تعالى عن مؤمن آل فرعون وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ .