القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه
شرح كتاب بهجة قلوب الأبرار لابن السعدي
74803 مشاهدة
خلق الله للأسباب

...............................................................................


والله تعالى مسبب الأسباب هو الذي خلق الأسباب وجعلها مؤثرة؛ من أدلة ذلك قوله تعالى: أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ لا شك أن الإنسان ينسب إليه، أنه هو الذي تزوج بفلانة، وأنه هو الذي أحبلها، وأنها ولدت منه، وأن هذا الولد وهذه الأولاد أنهم ينسبون إليه، ولكن ليس هو الذي خلقهم، الله هو الذي قدر إيجادهم، هو الذي خلقهم وقدر خلقهم، ليس بقوة الإنسان ولا بقدرته، ولا بتمكنه، بل بإيجاد الله تعالى، فلو شاء لجعلهم كلهم إناثا أو لأخرجهم كلهم أمواتا أو نحو ذلك، فليس للإنسان تمكن في أن يخلق أولاده، ولو كان ذلك إليه لجعلهم ذكورا، ولسوى خلقهم وجعلهم في أحسن خلق أو نحو ذلك.
كذلك قول الله تعالى: أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ أخبر الله تعالى بأنهم يحرثون أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ ولكن الله تعالى هو الذي مكنهم، أولا أعطاهم القوة التي يتمكنون بها من هذه الأفعال، يتمكنون بها من حرث الأرض، لو شاء لشل حركاتهم، ولو شاء لجعل الأرض صماء لا تنبت أو صخرية، أو نحو ذلك، فلما جعل لهم هذه القوة يحرثون بها بأيديهم أو بما يصنعونه من الماكينات ونحوها، كان ذلك من الله وتوفيقه؛ فلذلك نسب الفعل أولا إليهم: مَا تَحْرُثُونَ ثُمَّ قَالَ: أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ أأنتم تحرثونه تبذرونه بالأرض وتسقونه، والله تعالى هو الذي يسر أسبابه، فهو الذي أوجد لكم هذا الماء الذي تسقون منه، ولو شاء لجعله ملحا أجاجا لا ينبت، ولو شاء لأغاره وأعدمه، كما في قوله تعالى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ .
وأخبر الله تعالى عن صاحب تلك الجنة البستان الذي ذكر في سورة الكهف، في قوله تعالى: وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا فكذلك يقول: لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ أي ظللتم تتأسفون على فعلكم، وتقولون: إِنَّا لَمُغْرَمُونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ فالفعل من الله تعالى، وإن كان للإنسان حركة وله إرادة وله فعل ينسب إليه؛ فلذلك نقول: إن على الإنسان أن يعمل بما أقدره الله عليه؛ فيعترف بأن الله هو الذي أعطاه العقل وهو الذي أعطاه القوة، وهو الذي أعطاه السمع والبصر، وهو الذي أقامه على قدميه، وهو الذي أعد يديه وجعل فيهما هذه القوة، وهو الذي بسط هذه الأرض وسخرها، وهو الذي جعلها قابلة للنبات، وهو الذي جعل فيها هذا الماء الذي تروى به وتسقى به، وهو الذي أيضا جعلها منبتة قابلة للنبات.
مع أنه تعالى فاوت بين الأرض؛ فأنت ترى قطعة من الأرض سبخة لا تنبت ولا تمسك الماء، وترى قطعة أخرى صخرية لا تقبل الماء ولا تنبت، وتجد أرضا أخرى رملية وأخرى ترابية وأخرى جبلية، وكل ذلك بخلق الله تعالى؛ فيعترف الإنسان بأن كل ما في الوجود، فإنه خلقه وتكوينه وكان بقضائه وبقدره.