اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم.    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير
شرح كتاب بهجة قلوب الأبرار لابن السعدي
74922 مشاهدة
الحرص على الأمور النافعة

...............................................................................


ثم يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز الحرص: هو بذل الجهد في تحصيل ما هو نافع, الإنسان إذا حرص على النافع بذل جهده وبذل وسعه, والنافع يصدق على النافع في الدين، والنافع الدنيا فالنافع في الدنيا النفع المباح؛ الذي هو الكسب الحلال؛ يعني أن الإنسان مأمور بأن يبذل الأسباب في طلب الرزق، وأن هذه الأسباب قد جعلها الله تعالى مؤثرة جعل فيها فائدة، وجعل فيها نفعا ولو شاء لم يكن فيها فائدة، فهو سبحانه الذي قدرها وجعلها مفيدة. فالإنسان يبذل الأسباب، ويعتقد أن الله تعالى مسبب الأسباب؛ ولذلك يذكر الله تعالى عباده بأنه هو الذي جعل هذه الأسباب مؤثرة. فالإنسان مثلا إذا كانت رغبته في الحرث اجتهد في أن يحرث الأرض، ويغرس ويزرع حتى يحصل له من نتاج الأرض، ومما يخرج منها رزقه وقوته، وقوت عياله وما يتصدق به وما ينفع به، ولكن يعرف أن الله تعالى هو الذي يوفق لذلك؛ ولذلك قال تعالى: أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فإذا غرس وزرع علم أن هذا من جملة الأسباب التي جعلها الله مفيدة.
وكذلك إذا اشتغل بصنعة, بحرفة من الحرف, إذا اشتغل بحرفة يدوية؛ أيا كانت ولو كانت رذيلة عند الناس، ولو اشتغل بكونه حائكا أو حلاقا أو حجاما أو غسالا أو خياطا أو دباغا أو خرازا أو حداد أو نجارا؛ يعني أية حرفة يعلم أن الله تعالى هو الذي يسرها وهو الذي أقدره وجعله عارفا بذلك؛ أعطاه اليدين ليعمل بهما، وليتكسب وليحترف فيحرص على ما ينفعه من هذه الحرفة، ويعتمد على الله تعالى في أنه يجعلها مفيدة.
وكذلك أيضا إذا تعاطى تجارة يعرف أن الله تعالى هو الذي جعلها مفيدة، وجعلها نافعة ويسر أسبابها؛ فيكون ذلك من الحرص, كذلك أيضا إذا اختار أن يربي ماشية فإن ذلك أيضا مما ينفع؛ فالحاصل أن قوله -صلى الله عليه وسلم- احرص على ما ينفعك يعني على ما ينفعك في الدنيا من المكاسب المباحة التي إذا تعاطيتها حصل من ورائها كسب حلال ورزق مباح؛ هذا من جملة ما ينفع.
كذلك أيضا يدخل في ذلك ما ينفعه أيضا في عاقبة أمره؛ وذلك بأن يعرف أنه إذا رزقه الله تعالى، فإن من جملة ما ينفعه أن يقدم لآخرته مما أعطاه الله من هذا الكسب، ومن هذا المال، أن يقدم لآخرته أن يتصدق، وأن ينفق في وجوه الخير؛ فذلك مما ينفعه احرص على ما ينفعك .
كذلك أيضا، لا شك أن مما ينفعك الأعمال الصالحة؛ يعني الأعمال البدنية والأعمال القولية والمالية احرص عليها؛ فاحرص على العبادة احرص على أداء الواجبات، واحرص على ترك المحرمات، واحرص على أداء حقوق الله عليك؛ فتؤدي الصلوات كما أمرت، وتصوم كما أمرت، وتتصدق وتحج وتنفع نفسك، وتقدم لآخرتك عملا ينفعك وتستفيد منه، هذا كله مما أقدرك الله تعالى عليه، فإذا حرصت عليه كان في ذلك فائدة وخير كبير.
كذلك أيضا احرص على ما ينفعك من تحصيل الفوائد العلمية، احرص على تعلم العلم النافع، احرص على تعلم ما ينفعك في آخرتك؛ تعلم كتاب الله ومعانيه وتعلم السنة النبوية وتعلم الكيفية التي إذا سلكتها نجحت في دنياك، ونجحت في آخرتك، ووجدت عملا صالحا مبرورا ييسره الله تعالى لك ويثيبك عليه؛ لا شك أن هذا كله من جملة ما أمر الله تعالى به ومما يحبه؛ فكل ذلك داخل في قوله: احرص على ما ينفعك .