تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. logo القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة
shape
شرح كتاب بهجة قلوب الأبرار لابن السعدي
122064 مشاهدة print word pdf
line-top
للناس منازل في الآخرة كما لهم منازل في الدنيا

...............................................................................


وإذا عرفنا ذلك فنقول: إن الأصل في هذا التفاوت ليس هو مجرد الحظوظ الدنيوية، فالناس منازل في الدنيا، ولكن في الآخرة هم أيضا منازل، قد يكون الذين هم في الدنيا ضعاف وفقراء يكونون في الآخرة أرفع حظا عند الله وأرفع مكانة ورتبة، يرفعهم الله تعالى، ولو كان أهل الدنيا يحتقرونهم.
ورد في الحديث: رب أشعث أغبر ذي طمرين مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره معناه أنه يوجد ضعيف متضعف، أشعث رأسه منتفش أغبر شعره وأغبر وجهه، ثيابه دنيئة ذي طمرين, الطمر: هو الثوب الخلق، مدفوع بالأبواب إذا طرق الباب فإن أهل الأبواب يردونه، ولا يأذنون له ولا يمكنونه من الدخول، ولا يمكنونه من الإطعام ولا يعطونه ولا يضيفونه؛ وذلك لاحتقارهم له لما رأوه بهذا المظهر، ولكن له قدر عند الله تعالى فالله تعالى قد يجيب دعوته لو أقسم على الله لأبره.
وفي الحديث المشهور يقول -صلى الله عليه وسلم- طوبى لرجل آخذ بعنان فرسه في سبيل الله أشعث رأسه مغبرة قدماه إن كان في الحراسة كان في الحراسة وإن كان في الساقة كان في الساقة إن استأذن لم يؤذن له وإن شفع لم يشفع يعني أنه ليس له معرفة بأحد، إذا سأل أن يشفع لأحد ما قبلت شفاعته؛ لأنه من عامة الناس ومن أفرادهم، وإذا استأذن على أحد من الأكابر حجب وطرد ولم يؤذن له، إن هذا هو الأصل في منازلهم عند الله.
وأما في الدنيا فالناس كما عرفنا الناس منازل، ومشاهد أيضا أن الأثرياء وأهل الأموال ونحوهم إنما يأذنون لمن هو مثلهم، فإذا طرق الباب إنسان له هيئة وله شهرة ومكانة أدخلوه وأكرموه وأجلسوه معهم، وإذا طرق الباب أحد العامة الذي ليس له مظهر وليس بمعروف حجبوه ومنعوه واشتغلوا عنه، وقالوا: صاحب البيت مشغول أوليس هو حاضر أو لا يتفرغ لمكالمتك أو مجالستك أو ما أشبه ذلك؟! هذه عادة الكثير من الناس.
كذلك أيضا يشاهد أن الكتاب والحجاب وأهل المكاتب الرفيعة؛ لا يجلسون عندهم إلا من هو في رتبتهم أو قريبا منهم عادة أو له مكانة مرموقة، وأما سائر المراجعين ونحوهم فيحيلونهم إلى غيرهم.
نقول: إن الواجب علينا أن ننزل الناس منازلهم التي يستحقونها عند الله تعالى، ننزلهم منازلهم التي يستحقونها؛ فنكرم أولياء الله الذين نعرف حبهم لله تعالى، وصدقهم مع الله وديانتهم وصلاحهم واستقامتهم، نكرمهم ونرفع مكانتهم، ونعرف لهم قدرهم ونحبهم ونقربهم، ونجالسهم ونؤانسهم ونقبل فوائدهم، ونطلب منهم الاستفادة ونفيدهم بما نقدر عليه؛ لأن هؤلاء لهم منزلة عند الله، ولو كانوا فقراء، ولو كانوا صغارا، ولو كانوا ما كانوا.

line-bottom