تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة)
شرح كتاب بهجة قلوب الأبرار لابن السعدي
74861 مشاهدة
لا يكون في الوجود إلا ما يريد الله عز وجل

...............................................................................


وبعد ذلك ما يكون في الوجود إلا ما يريد, كل ما في الوجود من حركات وسكنات كل ما في الوجود من حيوانات ودواب وطيور ووحوش ونحو ذلك, الله تعالى هو الذي خلقها، وكل ما يحصل من حركات وسكنات، الله هو الذي خلقها وشاءها، وهو الذي أوجدها، وهو الذي علمها ثم كتبها، ثم شاءها ثم خلقها، كما شاء هذا معنى كل شيء بقضاء وقدر حتى العجز والكيس يعني كل شيء مقدر.
قال الله تعالى: وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا أي جعل له مقدارا فقدر الأعمار، علم عمر هذا الإنسان طويلا أو قصيرا، قدر الأعمار وقدر الآجال، وقدر الحوادث والأعمال كلها، وجعل لها مقادير، قال الله تعالى: وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا .
وقال تعالى: فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ فيؤمن المسلم أولا بالعلم، وثانيا بالكتابة، وثالثا بالمشيئة والإرادة، ورابعا بالخلق والإيجاد لجميع الموجودات، ويؤمن بأن الله تعالى علم أو قدر القدر العام الذي كتبه في اللوح المحفوظ، ويؤمن أيضا بأن كل إنسان فله كتابة خاصة، إذا استقرت النطفة في الرحم طورها الله تعالى نطفة ثم علقة ثم مضغة، فإذا كانت مضغة فإن الله يرسل إليها الملك ينفخ الروح فيها، ثم يأمر الملك فيكتب إذا قدر الله أنها مخلقة؛ أنها تعيش وتخلق فيكتب الملك: رزقه وأجله وعمله وهل هو شقي أم سعيد، مع أن ذلك كله موجود ومكتوب، وهو قبل أن يخلق، وقبل أن تخلق السماوات والأرض، ولكن هذه كتابة خاصة لكل إنسان قدر الله وجوده.
وكذلك أيضا ذكر في ليلة القدر التي في رمضان أنها سميت بالقدر؛ لأن الله يقدر فيها ما يكون في ذلك الزمان إلى مثله؛ بمعنى أنه يكتبه الملائكة في صحفهم فلا يتقدم شيء ولا يتأخر فيكون هذا تقديرا سنويا.
وأما قول الله تعالى: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ فالمراد هو إيجاد الموجودات التي قدر الله وجودها كل يوم، وإذا آمن العبد بأن كل شيء مقدر، فإنه لا يجوز أن يعتمد على القدر السابق ويترك العمل.
ولأجل ذلك لما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- ما منكم من أحد إلا قد كتب مقعده من الجنة والنار. فقالوا: ألا نتكل على كتابنا وندع العمل؟ قال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له هكذا أخبر بأن كل إنسان ميسر لما خلق له, ثم معناه: أنه يعينه الله تعالى ويوفقه أو يخذله ويهينه، فإذا أعانه الله تعالى عمل بالطاعة، وإذا خذله عمل بالمعصية.