إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه
شرح كتاب الآجرومية
97515 مشاهدة
القيد الأول: اللفظ

فأولها: اللفظ: اللفظ في اللغة -يعني عند العرب- اسم للطَّرْح والرَّمْي، ومنه قولهم: أكلت التمرة، ولفظت النواة، أي: طرحتها، نواة التمر التي في وسطها لا تؤكل، أكَلَ التمرة ولفظ نواتها، أطلق على هذا لفظًا، ويُقَال مثلا: فلان مضغ اللحم ثم لَفَظَه، يعني: طرحه من فمه، فاللفظ هو: الطَّرْحُ، ومنه أيضا قولهم: لَفَظَتِ الرَّحَى الدقيق، الرَّحى: التي يُطْحَنُ عليها، يدخل فيها الْحَبُّ- الْبُرُّ حَبًّا- ثم تلفظه دقيقا، فيُسَمَّى هذا لفظا، هذا اللفظ عند العرب، في لغة العرب.
ولكنِ النحويون أرادوا باللفظ هو: الكلمات التي تخرج من الفم: الكلام الذي هو الحروف، جعل الله له مخارج، هذا الفم يخرج منه ثمانية وعشرون حرفا، وهي التي يتكلم بها الناس، فيقولون: اللفظ: هو الصوت الخارج من الفم، يدفعه النَّفَسُ, المشتملُ على بعض الحروف الهجائية، التي أولها الألف، وآخرها الياء.
الصوت المشتمل على الحروف الهجائية التي أولها الألف وآخرها الياء، يعني: التي اصطلحوا على كتابتها وبدءوها بالألف، وختموها بالياء اصطلاحا، وهي الثمانية والعشرون حرفا التي أحصوها وصار الكلام منحصرًا فيها، وكل منها له مخرجٌ، بعضها يخرج من الشفتين، كالباء والميم والواو والفاء، وبعضها من اللسان: كاللام والدال والثاء ونحوها، وبعضها من الْحَلْق: حروف الحلق الستة وأشباهها، فهذه الحروف إذا اشتمل الكلام على بعضها سُمِّي لفظا.