إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة
شرح كتاب العظمة المجموعة الأولى
129479 مشاهدة
قصص مجملة في القرآن فصلتها السنة

...............................................................................


وأما ما يتعلق بالقصص فإنها تروى، والحكمة فيها الاعتبار وذلك أن هناك قصصا كثيرة وردت في القرآن مجملة وجاء تفصيلها في بعض كتب بني إسرائيل، فمن ذلك قصص إحياء الميت أو إحياء الموتى. ورد في عدة مواضع والله تعالى قادر على أن يحيي الموتى في الدنيا قبل الآخرة مثل قول الله تعالى: وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ فالقصة فيها أنهم لما قالوا: أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً كانت هذه المقالة كفرية فأرسل الله عليهم صاعقة فماتوا، ثم بعدما ماتوا خاف موسى أن يتهمه قومه أنه دعا عليهم وأنه الذي تسبب في موتهم، فدعا الله تعالى ودعاه فأحياهم قال تعالى: ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ آية من آيات الله دالة على قدرته وعلى عظمة شأنه أنه يحيي الموتى.
القصة الثانية: قصة موسى مع القتيل الذي في سورة البقرة وذلك أن بني إسرائيل كان فاش فيهم أن يقتل أحدهم قريبه، ويأخذ ميراثه فعدا رجل على عمه، وقتله ليأخذ إرثه، وليتزوج ابنته، واتهم به آخرين أنهم قتلوه فرجعوا إلى موسى فقال لهم موسى اذبحوا بقرة فلما ذبحوها بعدما ترددوا في وصفها قال الله تعالى: وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى لما ذبحوا تلك البقرة ضربوه بجزء منها فرد الله عليه روحه قال: وسألوه من الذي قتلك؟ فأشار إلى ابن أخيه وقال: هذا الذي قتلني، ثم عاد ميتًا، فهذه آية من آيات الله أجراها الله تعالى على يد نبيه، وكليمه موسى .
وكذلك قصة الذين خرجوا من بيوتهم حذر الموت فقال الله لهم: موتوا، ثم أحياهم قيل: إنهم عشرة آلاف أو أكثر؛ لأن الله ذكر أنهم ألوف أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ يعني: عدة آلاف حَذَرَ الْمَوْتِ خوفًا من مرض وقع في بلدهم فقال الله لهم: موتوا فماتوا موتة رجل واحد، فكان هذا أمرًا من الله، ثم إنه أحياهم بعد ذلك ذكروا أنهم بقوا مدة طويلة حتى يبست عظامهم، وتهتك كثير منها، واضمحلت أجسامهم وبعد ذلك أحياهم الله؛ أحياهم الله كما ذكر في هذه الآية: فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ مع كثرتهم فهذه آية من آيات الله.
وكذلك قصةٌ رابعةٌ ذكرت في قوله تعالى: أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ مكث مائة عام وهو ميت، وكان معه أيضًا حماره فمات الحمار ثم بعثه فقال الله تعالى له: بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ كان معه طعام وشراب فرده الله كما كان. قيل: معه سلة من فاكهة كعنب أو نحوها، ومعه شراب فرده الله كما كان ثم أمره بأن ينظر إلى الحمار وهو متفرق أجزاء وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا أوحى الله إلى عظام الحمار فالتأمت جاء بعضها إلى بعض، ثم التأمت والتصق بعضها ببعض، ثم أوحى الله إلى لحمه فرجع والتأم عليه لحمه، ثم إلى جلده، ثم بعد ذلك نفخت فيه الروح فكان الحمار كما كان فقال الله: وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ يعني: رأى رأي العين أن هذه العظام كانت متفرقة فاجتمعت، ثم جاء لحم فنبت عليها، ثم جاءت الجلودها فنبتت عليها حتى كملت، ثم جاءت الروح فنفخت فيها ثم صار متحركًا كما كان.
وقصة خامسة: هي قصة إبراهيم لما قال: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قال الله له: فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فأخذ أربعة متفرقة يمكن أن منها ما هو محرم مثلًا كغراب أو رخم أو نسر أو حمام أو نحوه لما أخذها ذبحها، وفرق أجزاءها، جعل على كل جبل جزءًا، وأمسك رؤوسها ثم دعاها، فلما دعاها جاءت تلك اللحوم من أماكن متفرقة، والتأم بعضها إلى بعض حتى جاءت إليه بلا رءوس فألقى إلى كل واحد رأسه فالتأم فيه كما كان. لا شك أن هذه آية من آيات الله تعالى دالة على عظمته، ودالة على أنه خالق كل شيء، وأنه على كل شيء قدير.
هذه يستدل بها على إحياء الموتى، فإن إبراهيم -عليه السلام- لما قال له ذلك الملك: من ربك؟ قال: رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ أي: يحيي الموتى ويميت الأحياء فقال ذلك الظالم: أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ادعى أنه يحي ويميت. كيف تحيي وتميت؟ قال: أحيي هذا، وأميت هذا؛ أحبس مثلًا جماعة فأميت بعضهم، وأترك بعضهم فيقال له: ليس أنت الذي أحييتهم بل الله هو الذي أحياهم ولكن احتج عليه إبراهيم بحجة لا يجد لها جوابًا فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ .
لا شك أن هذه حجة قوية. ولما قال إبراهيم: رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ سأل ربه رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى ؛ حتى يكون على يقين أن الله تعالى يحيي الموتى فأراه الله تعالى هذه الآية.
وقد ذكر الله تعالى أن عيسى يحيي الموتى في قوله تعالى: وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي أي يحييهم بإذن الله فيقول لأحدهم إذا مات: قم حيًّا بإذن الله فيقوم حيًّا، ثم بعد ذلك يموت إذا أراد الله له الموت، ولا شك أن الله أعطاه ذلك كمعجزة من المعجزات التي يجريها الله على أيدي أنبيائه ورسله. عرفنا بذلك أن القصص التي في القرآن جاءت مجملة، ثم جاءت تفاصيلها.