شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا
شرح كتاب العظمة المجموعة الأولى
129598 مشاهدة
الله يمهل ولا يعجل بالعقوبة لمن عصاه

...............................................................................


كذلك أيضا يشاهد أن الخلق يعصون ربهم يكفرون، ويغدرون، ويفسدون في الأرض، ويسفكون الدماء، ويشركون بالله، ويجعلون معه آلة أخرى، ويعبدون غيره معه وهو مع ذلك يعطيهم، ويعافيهم، ويحلم عنهم، ويصفح عنهم، ويرزقهم، ويوسع عليهم الرزق، ويرسل السماء عليهم مدرارا وهم مع ذلك مستمرون في غيهم وفي شرهم وفي كفرهم وفي فسادهم، ولا شك أن ذلك دليل كمال حلم الله تعالى، وعفوه أو إمهاله وعدم معاجلته بالعقوبة لمن عصاه، فإنه يمهل ولا يهمل، يرزق الكفار ويوسع عليهم؛ لحكمة أرادها بذلك.
فكل هذا دليل أنه سبحانه حليم غفور رحيم، يحب العفو، ويحب المغفرة لعباده، ومع ذلك فإنه قد يعجل بعضهم بالعقوبة، وقد أرى عباده أنواعا من المثلات وأنواعا وأمثلة من العقوبات التي سلطها على من عصاه وخالف أمره .وجعلها لهم أمثالا. حتى يعرفوا عظمة من عصوه فيخافوه ويقبلوا عليه ويتوبوا إليه وينيبوا إليه.
فكل ذلك من الأسباب التي تجعل الإنسان يعرف ربه أنه رب كل شيء وخالق كل شيء، وأنه الإله الحق لا إله غيره ولا رب سواه، وأنه لا يصلح شيء من القربات والعبادة لغيره من المخلوقات، بل المخلوقات كلهم مملكون لله عبيد له لا يملكون لأنفسهم تصرفا، ولا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا.
فكيف يملكون ذلك لغيره فهو مالك الملك، وهو ذو الجلال والإكرام كما سمى بذلك نفسه، وهو الذي يستحق أن يعبد وأن يشكر ويحمد وأن يثنى عليه وأن يفرد بالألوهية وحده، وأن يُعترف له بالفضل والعطاء والجود والكرم والإمداد، فيخلصون له العبادة وحده ويصرفون قلوبهم عن ما سواه.
نستمع إلى المتن